جهاد الخازن

كتبت عن العمر الذي ضاع على الطريق وتلقيت بريداً كثيراً، أكثره يعطف عليّ وبعضه يلومني لأنني نكأت جراحاً لم تندمل. لست عاطفياً وقد كتبت عن غربة لم أطلبها ولم أتوقعها، ثم أرى سنوات العمر تمضي وأنا مهاجر أو مهجَّر، والأصح مشرَّد.

لم أكتب مقالة، وإنما سجلت شعوراً يراودني منذ عقود. كل أحلام الوحدة ونهضة عربية جديدة تلاشت، وحل محلها الموت في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها.

الناس لم يعودوا كما عرفتهم، أو عرفت عنهم.

أرجو من القارئ أن يقارن مَنْ يعرف اليوم مع قادة فكر مضوا.

النهضة العربية في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت عصر سعد زغلول وأحمد عرابي وأحمد لطفي السيد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وإيليا أبو ماضي وأبي القاسم الشابي ومصطفى لطفي المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويعقوب صروف وفارس نمر وجرجي زيدان وابنيه إميل وشكري وبشارة الخوري وسلامة موسى وأمين الريحاني وفكري أباظة ومصطفى وعلي أمين وأنيس منصور ويوسف السباعي وأمينة السعيد وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وزكي مبارك وإبراهيم المازني ومي زيادة وغسان تويني ونزار قباني. ومع هؤلاء عبده الحمولي ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وبيرم التونسي وليلى مراد وصباح.

أقول لكل قارئ، مؤيد أو معاتب، جئني بمثل هؤلاء اليوم.

جرجي زيدان توفي عن 53 سنة فقط وترك وراءه كتباً في تاريخ اللغة والإسلام وروايات تزيد على عشرين. هو زار فلسطين في صيف 1913، أي قبل وفاته بسنة واحدة، وكتب عن أطماع الصهيونية وشراء أراضي الفلسطينيين بمساعدة المستعمِر، ورأى مستعمرة تل أبيب، وكتب محذراً حتى توفي. ليس مثله بين مَنْ قرأت عنهم أو أعرفهم غير الشيخ يوسف الخازن الذي كتب دراسة عن الأطماع الصهيونية في فلسطين، وهو يقيم في باريس.

مرة أخرى، أقول لكل قارئ: جئني بمثل هؤلاء.

ما سبق مؤلم بقدر ما هو جميل، فأنتقل إلى دونالد ترامب، وقد تلقيت رسالة من صديق أميركي يقول إن حملاتي عليه تضرّ بالعرب المقيمين في الولايات المتحدة، خصوصاً من أصول لبنانية. أتوخى الصدق وأنا أقول إن رأيي في الرئيس المنتخَب أسوأ كثيراً مما سجلت عنه، ولكن أحاول أن أكون مهذباً. وأقدّر الولايات المتحدة كبلد رائد في مجال الحريات، ثم أستغرب أن تختار للرئاسة رجل أعمال بليونيراً ليست له أي علاقة بالسياسة الخارجية.

كتـّاب أميركيون في أهم صحف بلادهم انتقدوا ترامب بشدة وبحدة، وبكلام قصّرتُ عنه، أو اخترت أن أتجنبه حتى لا يتهمني دعاة الحرب والشر من ليكود أميركا بما فيهم. هؤلاء هم أول أنصار لترامب فهم يعتقدون أن الرئيس القادم سينتصر للإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب جميعاً، وسينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. إذا فعل فهو عدوي حتى يوم القيامة.

بين القراء صابر، ولا أدري إذا كان هذا اسمه أو لقباً اختاره لنفسه، وهو يقول إنني أتابع كل المواضيع وأكتب عنها، إلا لبنان. أقول له إنني مقل في الكتابة عن لبنان لأن بعض الزملاء يعرف عن الموضوع أكثر مني ويكتب. طبعاً أنا أرحب بانتخاب رئيس، وقد سرني أن يزور الرئيس ميشال عون المملكة العربية السعودية وأن يجتمع مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، فحسن العلاقة بين البلدين ضرورة لبنانية قصوى. كما أيدت زيارة الرئيس اللبناني قطر. في كل الأحوال، أعد القارئ الصابر أن أكتب عن لبنان، وإذا فعلت أن يكون عندي شيء خاص أو جديد يستحق أن أكتب عنه.