علي سعد الموسى

قد تصدم، عزيزي القارئ، بذات حجم صدمتي ما قبل الأمس حين سمعت من لسان مفكر تونسي تلك المعلومة التي تقول إن عدد قتلى ثورة ربيع تونس لم يتجاوز سبعة من الضحايا، كان أولهم محمد البوعزيزي قادح شرارة الشتاء العربي. كنت أتوقع من قبل أن عدد الضحايا أضعاف هذا الرقم، وهذا يعود إلى قلة المتابعة للمشهد التونسي لسبب بسيط:

لأنها انسحبت بهدوء وتركيز شديدين من مسرح الفانتازيا التي أعقبت أيام الثورة، ولأن تونس، أيضاً قرأت بسرعة خطورة القادم (الإخواني) إلى مقعد السلطة، ومثلما اختارته في صندوق انتخاب، عادت بعد قليل لتخرجه بذات الصندوق والتجربة. وللأمانة، فقد كان الشيخ راشد الغنوشي براجماتياً ومستوعبا جيدا لطبيعة الحراك السياسي، فقبل بالواقع وقرار الجماهير الذي سقط في استيعابهما وقبولهما بقية حركات الإسلام السياسي في بقية الشعوب بكل أطيافها وأحزابها المؤدلجة المختلفة.


وهنا فتش عن السبب في الدرس التونسي الذي اكتفى من ثورته بسبعة قتلى وهو رقم تكسره عقارب ساعة واحدة في بقية شعوب الشتاء العربي، سأعترف بأنني كلما أمسكت بسبب تونسي وجدت له النقيض ومن حصاد هذا الشتاء نفسه. إن قلت إنه التعليم النوعي الذي قام على مبادئ العلمانية الصرفة فلم يسمح بإقحام الأدلجة في المناهج فسأصدهم بالمثال السوري وهو نفسه قائم على هذا المبدأ. 
إن قلت إنه حجم انتشار التعليم الذي تحتل فيه تونس مركزا متقدما جدا في نسبة الأمية المتدنية واجهت المثال اليمني الذي ابتدأ ثورته بسلمية مدهشة عبر حشود رائعة وحضارية، رغم أن هذا الشعب العظيم من أعلى شعوب الأرض في نسبة انتشار الأمية. إن قلت إنها هشاشة وضعف الدولة العميقة التي خرجت من الشباك وعادت من الباب الواسع في معظم شعوب الثورات العربية فستقف ضد هذا التبرير تلك الحقيقة الواضحة التي تقول إن تونس هي نفسها نسخة مصر وسورية وليبيا واليمن، فكل هذه الشعوب كان يحكمها حزب واحد لكل دولة بالتقريب، وكلها أيضاً حكمها رئيسان فقط خلال آخر أربعين سنة.
الخلاصة: إن الحالة التونسية تصلح أنموذجاً مختبرياً للدراسة ومن ثم الاستفادة منها في علاج الحالة العربية المريضة التي باتت اليوم ورماً سرطانياً في جسد هذا العالم بأكمله، حاولت لأيام أن أقرأ شيئاً في تحليل هذه الظاهرة التونسية الصاعقة فلم أجد ولم أقبض على جواب.