الحسين الزاوي

تحظى دول المغرب العربي بأهمية جيوسياسية بالغة الأهمية بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، لا سيما بالنسبة لدول أوروبا المتوسطية وفي مقدمها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، كما أن بريطانيا ورغم قيامها بالتصويت لصالح «بريكست»، إلا أنها تظل تحتفظ بعلاقات استراتيجية قوية مع دول المغرب العربي لأسباب عدة تتعلق في المقام الأول بالملفات الأمنية والاقتصادية.


وما تجدر ملاحظته في هذا السياق هو أنه وبالرغم من القرب الجغرافي والحدود الكبيرة التي تملكها مصر مع دول المغرب العربي، إلا أن أهميتها بالنسبة للدول الأوروبية المتوسطية تأتي في المرتبة الثانية نظراً للطابع المحوري لمصر بالنسبة للقضايا الساخنة المتعلقة بأزمات الشرق الأوسط وعلى رأسها ملف الصراع العربي - «الإسرائيلي»، الأمر الذي يدفع الخبراء السياسيين إلى وضع القاهرة في خانة الاهتمام وربما «الاختصاص» الجيوسياسي للولايات المتحدة، من منطلق تأكيدهم على أن علاقة واشنطن ب«تل أبيب» تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنظومة السياسية الداخلية للنخب الحاكمة في الولايات المتحدة.
نستطيع أن نلاحظ في السياق نفسه أن السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي كانت وما زالت حتى الآن، بمثابة محصلة لتوافق ما بين أعضائها الثلاثة الكبار، الذين تقلص عددهم مؤخراً إلى اثنين بعد خروج بريطانيا، وذلك ما يجعل ألمانيا المنشغلة بملفات وسط وشرق أوروبا، تمنح تفويضاً واسعاً لفرنسا من أجل رسم معالم السياسة الخارجية لأوروبا تجاه المغرب العربي، لأسباب تتعلق في مجملها بالماضي الاستعماري لفرنسا في هذه المنطقة؛ وعليه فإن باريس تكتفي في الغالب بإجراء مشاورات شكلية مع الدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا اللتين تملكان أيضاً روابط تاريخية قوية بدول المنطقة، وتحديداً مع ليبيا بالنسبة لإيطاليا ومع شمال المملكة المغربية بالنسبة لإسبانيا التي ما زالت تحتل مدينتين مغربيتين.
كما تأخذ علاقات المغرب العربي بأوروبا أهميتها انطلاقاً من حاجة كلا الجانبين الملحة لمواجهة مجموعة كبيرة من التحديات، فهناك بالنسبة للاتحاد الأوروبي مسائل كثيرة تتعلق بالأمن الطاقوي وبالهجرة السرية ومحاربة الإرهاب والتحديات الجيوسياسية التي يفرضها القرب الجغرافي مع الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط؛ وهناك أيضاً حاجة ملحة بالنسبة لدول المغرب العربي، من أجل تطوير مبادلاتها مع الاتحاد الأوروبي الذي يملك سوقاً واسعة ومتنوعة قادرة على استيعاب منتجاتها سواء كانت زراعية كما هو الشأن بالنسبة لتونس والمغرب أو طاقوية كما هو الحال بالنسبة للجزائر وليبيا أو حتى طبيعية تتعلق بالثروة السمكية التي تزخر بها سواحل المحيط الأطلسي في كل من موريتانيا والمغرب؛ وبخاصة أن التكتلات الإقليمية الأخرى مثل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لا تفتح أمام الدول المغاربية آفاقاً اقتصادية حقيقية وملموسة لأسباب سياسية عديدة ليس هنا مجال التفصيل فيها. 
ويمكن القول إن سياسة الاتحاد الأوروبي ما زالت تتميز حتى الآن بعدم الوضوح وغياب الانسجام نتيجة لاختلاف الأجندات السياسية بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، حيث نلاحظ مثلاً أن الدول الأوروبية غير المتوسطية لا تعير اهتماماً كبيراً لعلاقاتها مع المغرب العربي، وتتابع في أحايين كثيرة شؤون المشرق أكثر من متابعتها لملفات المغرب، بالنظر للتأثيرات الكبيرة التي باتت تمثلها قضايا المشرق على السلم والاستقرار في العالم. كما أن هناك تبايناً داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بالنسبة لتحديد الأولويات بشأن علاقاتها مع المغرب العربي، فالبرلمان الأوروبي الذي يمثل واجهة الرأي العام داخل دول الاتحاد، يركز اهتمامه على المسائل السياسية وبخاصة ما تعلق منها بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تعمل الهيئات التنفيذية في بروكسل على تركيز جهودها على القضايا الاقتصادية والأمنية ذات الصلة الوثيقة بمقتضيات الأمن القومي ومصالح الدول الوطنية داخل الاتحاد.
لا ريب، أن الصعوبات الداخلية التي باتت تواجه الاتحاد الأوروبي نتيجة لتراجع حماس الشعوب الأوروبية تجاه مؤسساته في بروكسل، تجعل هذا الاتحاد يفقد الكثير من قدراته المتعلقة بهامش المناورة الذي ما زال يملكه من أجل تطوير سياسة خارجية مشتركة ومتجانسة نحو دول الجوار الإقليمي، الأمر الذي يشجّع الكثير من دول الاتحاد على تبني سياسات وطنية مستقلة في تعاملها مع الملفات الإقليمية على مستوى الحدود الشرقية والجنوبية لأوروبا. كما أن الخلاف الجزائري المغربي المتعلق بمشكلة الصحراء وجمود مشروع اتحاد المغرب العربي، يمنع بروكسل من التعامل مع دول المغرب العربي ككتلة واحدة، ويدفعها إلى تبني سياسات مختلفة و أحياناً متضاربة مع تلك الدول التي لا تملك حتى الآن أي مشروع حقيقي وواقعي لتحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها، حيث يظل التبادل التجاري بينها متواضعاً بل ومكلفاً مقارنة مع تكلفة التبادل التجاري ما بين دول الاتحاد الأوروبي. 
لقد أضحى واضحاً بناءً على ما تقدم أن العلاقات المغاربية - الأوروبية ليست مرشحة الآن للتطور بشكل جدي، ولن يمكنها بالتالي فتح آفاق جديدة أمام دول المنطقة لا سيما في هذا السياق الجيوسياسي الراهن البالغ الصعوبة، الذي يدفع جميع الدول إلى التركيز على المسائل الأمنية التي ازدادت خطورتها بعد انهيار مؤسسات الدولة في ليبيا. كما أن فشل مشروع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي المتعلق بالاتحاد من أجل المتوسط، يدفع بالكثير من المحللين والمتابعين للشؤون السياسية في المنطقة، إلى المطالبة بتطوير العلاقات ما بين الدول الواقعة في الجهة الغربية للبحر الأبيض المتوسط، وبخاصة في سياق المجموعة التي بات يطلق عليها اسم خمسة( البرتغال، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، مالطا) زائد خمسة( موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا)، التي سبق لها أن عقدت الكثير من الاجتماعات الأمنية، وهي مجموعة يرى هؤلاء المتابعون أنه بالإمكان توسيع دائرة اهتمامها لاحقاً، لكي تصبح قادرة على التكفل بملفات اقتصادية من شأنها دعم مشاريع التنمية المستدامة في دول المغرب العربي، وذلك في حال نجاح المساعي الدولية والإقليمية الهادفة إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا.