الرياضة والسياسة ركلات ترجيحية في مرمى الخيبات أم الآمال
مأمون كيوان
لا شك أن لعبة كرة القدم في زمن العولمة يُعدها البعض أفيوناً وفي الوقت نفسه بارومترا لقياس درجة الولاء السياسي والحمية الوطنية ولكن في بورصة الأقدام
تجددت السجالات ومحاولات فهم خلفيات ودوافع الاهتمام الجماهيري العالمي الكبير بمونديال روسيا 2018، أي حسم إشكالية الفصل والربط بين الرياضة والسياسة. فهل هذا الاهتمام هو نمط من الهروب من الواقع أم إسقاط للخيبات والآمال وتعليقها على مشجب خسارة أو فوز هذا الفريق أو ذاك سواء أكان فريقا وطنيا أو أجنبيا؟
وتُعد ظاهرة استغلال الألعاب والمناسبات الرياضية لتحقيق أغراض سياسية ظاهرة قديمة، «حيث يذكر أن قدماء المصريين حرصوا على استخدام الألعاب الرياضية لإبراز قوتهم وصلابتهم وإظهار عظمتهم، فقد كان الملك أمنحوتب الثاني في القرن الـ 11 قبل الميلاد يفتخر بقدرته على ركوب الخيل والسباق بها، وبقدرته على رمي السهام وإصابة الأهداف المحددة بدقة بالغة، حتى أنه رصد جوائز مالية لمن يحاربه في رمي السهام.
واستخدم القادة السياسيون الألعاب الرياضية لاكتساب الشعبية ودعم المكانة الفردية، فقد أقدم ماوتسي تونغ على السباحة في نهر يانجتس عام 1966 ليظهر للشعب الصيني مثالا حيا للصحة والحيوية والقدرة على خدمة الدولة وعقيدتها، وشارك كارلوس منعم رئيس الأرجنتين في عدد من الألعاب الرياضية لكسب التأييد الشعبي له. ورغم أن هاري ترومان لم يعط الانطباع بأنه نشيط رياضيا.
وفي نموذج الرياضة الأكثر شعبية، أي كرة القدم يجدر التذكير بأنه لا يعرف مخترع لعبة كرة القدم رغم أن التاريخ الرسمي لولادتها هو 26/ 10/ 1863 في إنجلترا، عندما وضع مستر تدينج الأستاذ في جامعة كامبريدج أول قانون لها مؤلف من عشر مواد. إلا أن هناك روايات كثيرة منها رواية تفيد أن الصينيين مارسوها منذ أربعة آلاف عام، وكانت تسمى آنذاك «تسو، تشو». كما تحدث هوميروس عن «كرة جميلة مشعة» في الأوديسة. كما كتب هيرودوت في العام 448 قبل الميلاد: «عندما زرت مصر وجدت هناك لعبة تسمى لعبة الكرة يصنعها المصريون من جلد الماعز ويحشونها بالقطن أو القش ويركلها اللاعبون بالأقدام بين فريقين يتنافسان حتى تصل الكرة إلى نقطة نهاية لتحتسب بعد ذلك هدفا».
ويذكر أنه في بريطانيا ذاتها، ونظرا للعنف الذي رافق هذه اللعبة فقد تم تحريمها مرارا، إذ منعها الملك إدوارد الثاني، والملك هنري الرابع، والملك ريتشارد الثاني، كما حرمتها الكنيسة. وهكذا ظلت اللعبة ممنوعة لمدة تزيد على أربعة قرون قبل أن يسمح بممارستها في عهد الملك جيمس الثاني.
وهناك تفسيرات مختلفة لأسباب الانتشار العالمي لهذه اللعبة. فهناك من يرى أن لعبة كرة القدم غزت العالم لأنها ببساطة صورة من صور الجماعي المتكرر. وهذا ما دفع جورج زيغلير الصحفي الفرنسي والكاتب في صحيفة لوفيغارو للقول: «منذ الأزل والمظهر الذي يحكم العلاقات الإنسانية هو الكفاح، فعندما تهاجم جماعة ما جماعة أخرى فإن رد الجماعة الثانية هو حتما المواجهة ومنها يأتي التصادم والعنف». فيما يقول الكاتب الأميركي سيسون كوبر في صحيفة «نيويورك تايمز»: «كرة القدم ظاهرة لها مدلولها السياسي وهي رمز للفوضى ولحكم الأقلية، وتؤدي إلى إسقاط سياسيين وانتخاب رؤساء وتحدد الطريقة التي يفكر بها الناس تجاه بلادهم». لكن علماء الاجتماع يعزون شعبية كرة القدم إلى «ولادة المجتمع الصناعي الذي أرغم عددا كبيرا من الناس على استعمال الأيدي في العمل الآلي المرهق، ما حرمهم من النشاطات الخلاقة الأخرى، وعليه فقد وجد الآلاف في لعبة كرة القدم الجديدة التنظيم الجماعي الذي يعكس صورة من صور حياتهم، وفي الوقت نفسه يعطي قيمة إضافية زائدة وثقافية لاستخدامات الأطراف التي لا تستعمل في العمل، وهي الأرجل».
وقد احتاج الانقلاب العسكري في البرازيل عام 1964 -المدعوم أميركيا- الذي أطاح بالرئيس المنتخب جواو غولار، إلى كأس العالم عام 1970 لتثبيت حكمه وتوطيد أركانه.
وفي 14 يوليو 1969 جرت مقابلة فاصلة في تصفيات كأس العالم 1970 في المكسيك، بين هندوراس وسلفادور، ومع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما، وفي 3 يوليو اندلعت الحرب بين الدولتين، وهي الحرب التي سميت حرب كرة القدم رغم أن أسباب التوتر بين الدولتين كانت كامنة وموروثة وقديمة، إلا أن المقابلة وفرت الفرصة لإشعال الحرب.
واحتاج الحكم العسكري في الأرجنتين إلى كأس العالم عام 1978 لإسعاد الجماهير العاشقة لكرة القدم وإضفاء بعض الشرعية على النظام، مثلما قدم للشعب هدية عوضته مرارة الهزيمة في حرب الفوكلاند عام 1982، بالانتصار على المنتخب الإنجليزي في مونديال عام 1986 في المباراة التي عرفت بهدف دييغو مارادونا الشهير.
وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1934 في إيطاليا، شارك موسوليني شخصيا في اختيار الحكام، وحضر جميع المباريات التي خاضها منتخب بلاده. وفي تلك البطولة، فاز المنتخب الإيطالي في المباراة قبل النهائية على النمسا مسقط رأس هتلر، بينما وقعت ألمانيا في الدور قبل النهائي مع النرويج، والتي احتلتها القوات الألمانية فيما بعد. وقد قال جوبلز مسؤول الدعاية في النظام النازي «إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما».
وهناك ما يعرف باسم «حرب كرة القدم»، حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس والسلفادور وذلك بعد سلسلة من المباريات بينهما في الفترة ما بين 6 و27 من يونيو عام 1969، وكان ذلك ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970. وخلفت الاشتباكات بين البلدين نحو ألفي قتيل.
ومما لا شك فيه أن لعبة كرة القدم في زمن العولمة يُعدها البعض أفيوناً وفي الوقت نفسه بارومترا لقياس درجة الولاء السياسي والحمية الوطنية ولكن في بورصة الأقدام.
وكي لا تتكرر قصة العلاقة بين البيضة والدجاجة في واقع السياسة والرياضة، ينبغي إدراك القاسم المشترك بينهما المتمثل في النجاح في تحقيق الأهداف النبيلة والمصالح الحيوية التي تلبي متطلبات واحتياجات الشعوب الرئيسة، التي تبدأ بإنجاز حلول لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وتترافق بأجواء من الترفيه والتسلية والأمل التي لا يشوبها زيف أو خداع.
وعلى سبيل المثال حصدت ألمانيا نتيجة لتنظيمها مونديال عام 2006 نحو 3 مليارات دولار أميركي. وحصد منتخبها المركز الثالث بينما توج منتخب إيطاليا بطلا لمونديال 2006 للمرة الرابعة في تاريخه بعد تغلبه على نظيره الفرنسي بركلات الترجيح.
التعليقات