علي نون

لم تعد مهمة كثيراً تفاصيل السياسة الأميركية المعلنة إزاء إيران طالما المضمون المعلن والواضح فيها هو اعتماد منهج الصدام المفتوح. ولذلك عناوين عدة، قد يكون «الاتفاق النووي» أبرزها، لكن غيره، المتصل بأداء طهران الخارجي العام (والداخلي؟) لا يقلّ بروزاً وصدارة.. أو هذا ما تعنيه أجندة الرئيس دونالد ترامب.

الموقف المعلن من «الاتفاق النووي» لا يعني إلغاءه. إذ إن دون ذلك عقبات تبدأ في المواقف الأوروبية والصينية، ولا تنتهي، للمفارقة، في إسرائيل ذاتها، التي لم تذهب مرّة واحدة علناً، الى المطالبة بنسفه تماماً! برغم كل الضجيج الذي يخرج منها، إزاء الأدوار الإيرانية في المنطقة المحيطة بها. و«النيّات» العدائية المضمرة والمعلنة حيالها.

وذلك عاملٌ رئيسي، لا يمكن ترامب أن يتخطّاه. مثلما لا يمكنه التطنيش عن مواقف العواصم الخمس الأخرى الموقّعة عليه. وأبرز ما في ذلك، هو الموقف البريطاني تبعاً لكون لندن الأقرب الى واشنطن في السياسة وغير السياسة!

غير أنّه على النقيض من حالة الدمج التي اعتمدتها إدارة السيّئ الذكر (دائماً!) باراك أوباما، بين «الاتفاق» وملحقاته و«روحه»، والتي أوصلت المنطقة العربية وشعوبها إلى كوارث كبرى، فإن إدارة ترامب تعمل على تفكيك ذلك الدمج لكن من دون إبداء أي تراخٍ إزاء احتمال العودة السلبية إلى ذلك، إذا اقتضى الأمر!

أي أن تكبيل «الاتفاق النووي» بنصوصه المباشرة وتوضيح بعض النقاط فيه، وخصوصاً لجهة تشديد الرقابة الخارجية على تنفيذه، سيكون أمراً منفصلاً عن «ملحقاته» و«روحه». وهذه، بالنصّ أو بالتخمين، تعني القرار بالتصدي للاستطرادات الصاروخية الإيرانية! ولاستمرار نهج التدخل «الثوري» في شؤون الآخرين! والتعامل مع «تفاصيل» ذلك التدخل، بدءاً من «حزب الله» إلى سائر التشكيلات المشابهة أكانت الجماعة الحوثية في اليمن أو «الحشد الشعبي» في العراق، أو الميليشيات التي فرّخت في «القنّ» الإيراني داخل سوريا!

عند هذا البرّ ترسو المواقف الأميركية المستجدة. غير أنّ المضاف إليها، هو أنّ هذه الإدارة وضعت وتضع أسساً تحضيرية للأسوأ. أي الوصول إلى «إلغاء» الاتفاق في حال فرضت ذلك، تطورات المعركة المفتوحة على العناوين الأخرى! خصوصاً في شأن تصنيف «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية، واعتبار طهران في المقابل، أن ذلك «تجاوز لا يغتفر» لخطوطها الحمراء!

وأهمية موضوع «الحرس» تتأتّى من أدواره الخارجية وخصوصاً لفصيله الأهم «فيلق القدس»، وبالمقدار ذاته، تتأتّى من أدواره الداخلية باعتباره ركيزة حماية النظام. والمثال الذي يعتمده هذا النظام «للتصدير» إلى الخارج.. ويصحّ التذكير هنا بأنّ إدارة ترامب في بداياتها، وحتى (خلال الحملة الانتخابية الرئاسية) ركّزت على رفض الازدواجية المعتمدة في مراكز «نفوذ» إيران المدّعى، بين الجيوش النظامية والميليشيات غير النظامية! وأعلنت مراراً موقفاً عدائياً واضحاً إزاءها.

الواضح والجلي، أن طبول «الحرب» تُقرع بصخب وشدّة. لكن ذلك شيء، و«الحرب» ذاتها شيء آخر. وفي هذا يراهن كثيرون على أنّ إيران ستكتشف «فجأة»، فضائل البراغماتية على حساب الأدلجة الجاهزة والمسبقة السبك! ولن تغامر في صِدام عسكري تعرف مسبقاً نتائجه! وستتصرّف تبعاً لذلك في كل عنوان مطروح أمامها وعليها، خصوصاً أنّ دونالد ترامب هذا مجبول بالفطرة على إيثار المصارعات والصدامات والصدمات على نقائضها! ويبدي (حتى الآن!) كل استعداد جدّي «للذهاب الى الآخر» مع إيران.. تماماً مثلما يفعل مع كوريا الشمالية!

شهران كبيران على الطريق، وقد يشهدان رسم الملامح الأولى لخريطة المنطقة على مدى العقدَين المقبلَين.. إن لم يكن أكثر!