عبدالله الحسني

ثمّة توصيف دقيق يمكن إسباغه على حالة التوحُّل القطري الذي ما فتئ يمارس -بفجاجة- ارتجاله وعسْفه للحقائق في سلوك مُستقبَح وسوقيّ يجعلهُ خارج دائرة الإعلام النزيه الصادق.

هذا العسف للحقائق -عبر تقاريره المُبتسَرة والمغلوطة التي يستجلب فيها ما يعتقد أنّه يرفد تلك التقارير والاستطلاعات على اختلاف أقنيتها وطرائقها- يعتقد أنّه يرفدها، هو في حقيقته لا يعكس سوى حالة الخواء وكذا حالة الكساح العقلي والجهالة وعماهة الإرادة. فالكساح بمعناه المباشر والبسيط هو العجز عن القيام الصحيح بأفعال مألوفة، فيما يُمثّل الكساح العقلي لهذا الإعلام القطري البليد والمتكلّس فقداناً حركيّاً للذاكرة -وإن شئنا تحديداً أدقّ نستعيره بتصرُّف من علم النفس- فهو كساح عن طريق الجهالة التي تسمّى بالكساح الغبائي.

لا يتوقّف هذا التوحّل الإعلامي القطري عند تزييفه التقارير والاستطلاعات والأخبار وتشويهها بل يتعدّاه إلى سلوك عدواني محتقِن اعتاد عليه عبر القُبح المُستجلَب والمُستعار من إعلامييّ الإثارة والصحافة الصفراء الذين لفظتهم أقنيتهم ومؤسساتهم الإعلامية المنحازة، إذ وجدوا في بيئة الإعلام القطرية الفارغة والخلو من العمل الإعلامي المؤسَّس والرصين، وجدوا فيه بيئة خصبة لتمرير أحقادهم ومتنفّساً لتشوّهاتهم النفسية الموتورة من خليج الخير، الخليج العربي الأبيّ، والغني بإنسانه وتراثه وإرثه الحضاري والمعرفي والديني، وهو سلوك له ما يُبرّره إذا ما أدركنا حقيقة ضعف النفس البشرية وداء الغيرة ونفثات القلوب المصدورة حين تلمح المتفوّق عليها حضارةً وإنساناً يتصدّر المشهد الإنساني في كل أصقاع المعمورة.

ما يمارسه الإعلام القطري بكافة أقنيته التي استجلب لها أبواقاً مأجورة ورخيصة يعيد لنا أزمة ومفهوم صحافة وإعلام الإثارة الذي يسعى لمغازلة متلقِّيه بكل وسائله الممكنة التي تم توظيفها بماله المنقوع خسّة ودناءة وانعدام القيم المهنية وقبلها الضمير، يسعى لتلك المغازلة عبر التقارير المشوهة سعياً لليّ أعناق الحقائق، حتى أصبحنا نرى هذه الدولة الضئيلة حجماً وتأثيراً مدفوعة بتأثير عقدة نقص أزليّة أصبحنا نراها نموذجاً يجسّد الفضاء الإعلامي النّتن الذي ينخر فيه الفساد ويزكم الأنوف، ولم يعد مع هذا السلوك القميء للعمل الصحفي والإعلامي ذلك الحضور المُقدّس الذي اعتدناه، بل عبث أفسده المال القطري الغبي الذي يحاول باستماتة استلاب عقول متابعيه والتغرير بهم، رغم أنه أوهن وأضعف بكثير إذ ارتقى مرتقى صعباً ورنا فكره الواهن إلى سماء أحلام بعيدة بل مستحيلة المنال.

واقع مؤلم ومحزن لهذه الشقيقة التي جنحت للخروج عن الصف الخليجي، وباتت نهباً لطموحات المهووسين بالعظمة وذوي الاختلالات والاعتلالات النفسية.

هذا السلوك الاعلامي أعاد بجدارة مفهوم صحافة الإثارة الصفراء في أبشع صورها عبر الإساءة للقيادات وللحكومات والشعوب أيضاً.

فالإعلام القطري بات وصحافة الإثارة وجهان لعُملة قُبح واحدة، إذ ينطلق في رسالته وأدائه الإعلامي من توجهات أوضح خصائصها لفت الانتباه والتوظيف المفتعل للصور التي لا صلة لها بالحقيقة وتوظَّف في خارج سياقها وكذلك انتحال الأحاديث واختراع التحقيقات التي لا وجود لها إلا في مُراداتها وأمنياتها واختراع شخصيات لا وجود لها مع الركض الدؤوب خلف التافه من الأخبار بهدف التأثير على المتلقّي الذي نراهن أنه بات أكثر وعياً وحصافة من هذا الإعلام الكسيح.

لا أحد عاقلاً أو مُحباً لوحدة كيانه الخليجي يفرح بما آل إليه هذا الشقيق الجانح الفاقد لبوصلة وعيه، ولا زال الأمل معقوداً أن يتحرّر من ربقة هذه العصابة الذين ابتليت بهم الشقيقة الصغرى "قطر"، تحرراً يخلّصه من شُذّاذ الإعلام المرتزق ليتم بناء الشقيقة وبناء إنسانها الحقيقي الذي سيكون وقتها قادراً على خلق فضاء إعلامي نزيه رزين ورصين يليق به ويحفظ له ولبلاده ديموغرافيتها المهدّدة بالامّحاء.