عبد الجليل زيد المرهون

 

في 24 تشرين الأول أكتوبر، احتفل العالم بيوم الأمم المتحدة، وهي مناسبة للتذكير بهذا الصرح العالمي، وما قدمه للبشرية، وما يُمكن أن يقدمه في القادم من السنين.

كانت قضية التطرف، وما تمثله من تهديد غير مسبوق للبشرية، من القضايا الكثيرة التي جرى التطرق لها في هذه المناسبة.

هذا التطرف، يُعد الآن خطراً موجوداً يعصف بالعديد من الأقاليم والدول حول العالم.

المجتمع الدولي قطع شوطاً من التنسيق والعمل الممنهج في مواجهة هذه الآفة، إلا أن الطريق أمامه لازال طويلاً.

يترجم الجهد الأممي المشترك سياسات تنفيذية محددة، لكنه لم يترجم حتى الآن رؤية مشتركة لطبيعة الخطر وكنهه وجوهره. وهنا تكمن المعضلة.

النجاح في بلورة سياسات مشتركة يُمثل وجهاً واحداً من المعادلة.

الوجه الآخر لهذه المعادلة هو الأفكار، والقدرات التحليلية، والرؤى القادرة على النفاذ إلى جذور المعضلة، وإدراك مضمونها ومالاتها.

حرب الأفكار بداية كل الحروب، والنجاح فيها شرط للنجاح فيما عداها.

القضية ليست مستحيلة أو مستعصية، وعلى المجتمع الدولي أن يبدأ، مستفيداً من كافة التجارب، كافة الخلاصات الفكرية والنظرية التي توصلت إليها الدول والهيئات المختلفة حول العالم.

المطلوب هو نمذجة الأفكار، لا تجميعها بما هي رؤى متفرقة، وربما متباينة أو متناقضة. وثمة فرق بين الأمرين.

الأمم المتحدة هي الجهة الأكثر قدرة على النهوض بهذه المهمة المترامية الأطراف، إلا أن ذلك يستوجب بداية تصدي نخبة دولية لبلورة مسودة عريضة، تنمذج على نحو أولي الخلاصات المختلفة حول العالم، وتُقدم باسم هيئة أو لجنة معينة إلى الأمم المتحدة، لتبدأ المرحلة التالية، مرحلة النمذجة الثانية، أو النهائية، للأفكار، والخروج بخلاصات ورؤى، يُمكن بلورتها في صورة سياسات استرشادية لكافة دول العالم.

وكما على المستوى الدولي، كذلك على المستويات الوطنية، يُمكن سلك الطريق ذاته، والخروج بكتاب استرشادي، يضيء أو يفسر، أو يعيد قراءة النمذجة الأممية النهائية للرؤى والأفكار، ذات الصلة بمقاربة معضلة التطرف.

المهمة يُمكن أن تبدأ الآن على المستوى الدولي، ويُمكن لبعض الدول الكبرى أن تمول منفردة أو مجتمعة تشكيل لجنة دولية لهذا الغرض، تقدم خلاصاتها بعد أربع أو خمس سنوات.

هذه المهمة، سوف تمثل استثماراً كبيراً في الأمن الدولي، وهي دبلوماسية وقائية من حيث الشكل، وحرب وقائية من حيث الجوهر.

لدينا في هذا العالم عدد من الباحثين ذوي الاهتمام عالمي النطاق، وهناك دول وحكومات مهتمة بالتنمية العالمية، وتمويل مهام ومشروعات عالمية، من خلال ما يعرف بوكالات التنمية الدولية التابعة لها.

البداية قد تكون بعقد مؤتمر يضع إطار عمل أولي، يليه إطار عمل منقح، ليبدأ العمل بعد ذلك في نطاقين: رأسي وأفقي. نقصد بالأفقي، دراسة الظاهرة في نطاقات جغرافية ممتدة، تصنف حسب الدول و / أو الأقاليم. وهذا هو التحليل المكاني للظاهرة، أو ما يسمى جغرافية الظاهرة.

النطاق الرأسي، نقصد به التحليل وفقاً للمحاور الموضوعية للظاهرة، فيدرس، على سبيل المثال، جانبها التربوي والنفسي والاجتماعي والسياسي والأمني، وهكذا.

هذا الجهد، متى وجد من يتصدى له، سيمثل انجازاً كبيراً للأمن الدولي، لا يقل أهمية عن تمويل الجهود السياسية والأمنية لمواجهة التطرف العالمي، بل يفوقه أهمية على الأرجح، لأنه يؤسس لحلول بعيدة المدى، ولكونه يسعى لمعالجة الأسباب، بدلاً من التعامل مع النتائج. الأول فعل وقائي أو استباقي، قليل الكلفة، قياساً بما تدفعه البشرية الآن من ثمن باهظ على المستويات كافة.

هذه مهمة سامية، على الدول القادرة، ذات الحضور الثقافي والإنساني المشهود في الساحة الدولية أن تتصدى لها، وتوليها ما يلزم من عناية واهتمام.