يوسف المحيميد

قبل عقود كانت ثقافة المرء وتأثيره الاجتماعي يُقاس بمؤلفاته، ومشاركاته المنبرية، في المؤتمرات والمنتديات والملتقيات، بمعنى أنه لن يصل إلى ذلك إلا بعد سنوات طويلة، وجهد كبير في القراءة والاطلاع والكتابة والنشر، وإلقاء المحاضرات، والمشاركة في الندوات، كي يكسب القرّاء، ويصبح أكثر شهرة وانتشارًا في المجتمع؛ أما في العصر الرقمي الجديد، فقد نُسفت هذه المعايير تمامًا، وأصبحت الشهرة سهلة جدًا، يستطيع أن يكتسبها الجهلة ومتواضعو الثقافة والوعي، وربما في الإثارة المجانية، كما في مواقع التواصل الاجتماعي، وكسب مئات الآلاف من المتابعين، الذين يعتبرونه مثيرًا أو مهمًا أو حتى كاذبًا ومتناقضًا، بما يثير السخرية والشتم، أي أن البعض تزداد أسهمهم ومتابعوهم بقدر الشتائم التي تنالهم!

ولعل ما يثير الحزن مما يحدث أن هؤلاء أصبحوا يسمون بالمؤثرين اجتماعيًا، وتدفع لهم الأموال الباهظة من أجل الأعمال الدعائية والإعلانات، مما جعلهم بكل سطحيتهم يمتلكون الثقة الكاملة بما يقولونه ويعبرون عنه، ولم يقتصر الأمر عند ذلك، بل قد تلجأ لهم بعض الجهات الحكومية الرصينة والمسؤولة، وكذلك الشركات الكبرى، من أجل تمرير بعض الرسائل على نطاق واسع، وقد يتطاول هؤلاء فيما بعد، حتى على مهنة التأليف، وهي مهنة ليست سهلة، ولها مكانتها الكبيرة في التاريخ الإنساني، وأصبحوا مؤلفي كتب سطحية، يتباهون بها، ويعتقدون أنها كتبًا عظيمة نظرًا لمبيعاتها العالية، بسبب أعداد المتابعين البسطاء ومحدودي الوعي، وهذا أيضًا قد يقود النشر لدى معظم الناشرين التجار، ويحوله إلى نشر سطحي يسهم في تضليل الثقافي والوعي.

صحيح أن ما يشبه هذا في الغرب، لكنه على الأقل له قواعد محددة، فالكتابة تخضع لتقييم بعيدًا عن المتابعين، والمخطوطة تخضع لمراجعات مختصة، وتحرير دقيق محترف، حتى لو كان الكتاب خفيفًا، وكذلك المتابعون الذين يفوزون بين الحقيقة والوعي وبين الخرافات والأكاذيب.

المهم في الأمر، أن معظم من يسمى بالمؤثرين يحترقون حين يوضعون في غير أماكنهم (الفهلوية)، لأن معظمهم لا يمتلكون ناصية الكلام، ولا المعارف الواسعة والعميقة.