علي سعد الموسى

ويؤسفني أن أقول بكل ثقة إن الجاليات الإسلامية بالغرب وفي الولايات المتحدة بالتحديد لم تستطع طوال العقود وبعد كل هذه الأزمات المتتالية تطوير مهارات الاتصال والتواصل مع المجتمعات الأصلية المستقبلة الحاضنة. تحاول أن تقرأ فوارق ردة الفعل ما بين الحادي عشر من سبتمبر الشهير وبين ما يحدث من هذه الجالية بعيد قرارات دونالد ترمب التمييزية ضد المسلمين، فلا تجد فارقاً جوهرياً يذكر.

تسويق الصورة الذهنية هو جذر وجذع شجرة نفاذ الصورة، ومرة أخرى يؤسفني أن أبناء هذه الجاليات لم يفعلوا معه ما يستحق رغم ثورة التقنية في السنوات العشر الأخيرة. خذ مثلاً: إقفال الطرق وأداء الشعائر ورفع الشعارات في المطارات الأميركية هو أسلوب قد يدغدغ عواطفنا في مجتمعات شعوبهم الأصلية، ولكنه قد يفعل العكس في مخيال الشعب الأميركي المستضيف. ومثل هذا أيضاً رفع الأذان بمكبرات الصوت من آلاف المساجد على الأرض الأميركية أو حتى من بعض الكنائس المتعاطفة. هذه نماذج من إثبات الوجود ولكن: هل لا زلنا بحاجة إلى أن نقيم الصلاة في صالة مطار أميركي كي نبرهن الحضور؟ الجواب المؤكد هو لا بنفي واضح قاطع، فكل أميركي يدرك حتمية وجود الإسلام كثاني ديانات كل هذه الأرض. وكل ما أود أن أقوله إن هذه الجالية قد تدرك أو لا تدرك أن الشعب الأميركي أمة منقسمة في كل استفتاء أو رأي أو قضية، وحتى مع قرارات الرئيس الأميركي الأخيرة فإن علينا أن ندرك أنه فعلها وهو يعلم تأييد الأغلبية النسبية من الشعب الأميركي، وأكثر من هذا أن نعلم أن المحافظ الغربي لا يريد كثافة نسبية للإسلام على أرضه، والليبرالي اليساري لا يحبذ أبداً أن تكون الشعائر الدينية والخطابات الأيديولوجية لأي دين كان جزءاً من الحياة العامة، ولهذا سنبقى أمام أقلية متعاطفة نشكل فيها نحن المسلمين، وهناك أغلبية كبرى وهذا ما يشاهده الأميركي، مثلما نشاهدها نحن عند تحليل آلاف الصور القادمة من هذه الاحتجاجات والمناشط المختلفة ضد هذا القرار. علم بناء الصورة الذهنية وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بالأقليات في المحيطات علم متطور ونحن لا زلنا للأسف الشديد نتعلق بالأساليب والنماذج التقليدية المستفزة. 
أختم: قصة تواجد الأقليات المسلمة في أميركا تشبه إلى حد بعيد قصة الهجرة اليهودية. الفارق أن الجالية اليهودية وفي نيويورك لجأت إلى الخطاب الناعم لتكريس مفهوم "المظلومية" والاضطهاد والتمييز الذي هربت منه من المجتمعات الأوروبية. لجأوا إلى الصورة الفردانية للمظلوم لا إلى الحشود الجماعية وأداء الشعائر ورفع الشعارات.