سابين عويس
أما وقد أقرت سلسلة الرتب والرواتب في اللجان النيابية المشتركة ورفعت إلى جلسة الهيئة العامة في 15 من الجاري، فإن الاهتمام ينصب الآن على ما ستكون عليه الصيغة النهائية للموازنة بعد تشريحها في اللجان، وما سيكون عليه موقف النواب في الهيئة العامة من الإيرادات الضريبية المقترحة من أجل تمويل كلفتها، بعدما كانت اللجان قد أقرتها قبل 3 أعوام ورفعتها إلى الهيئة العامة لإقرارها، لكن رفع الجلسة يومها وعدم إقفال المحضر حالا دون نشرها في الجريدة الرسمية ودون دخولها حيز التنفيذ.
في تلك الجلسة الشهيرة عام 2014، أقرّت الهيئة العامة كل الجدول الضريبي المرفوع باستثناء إجراءين: زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة واحد في المئة، وتسوية مخالفات الاملاك البحرية بعد الخلافات الحادة في أوساط النواب حيالهما.
أما اليوم، وفي ظل أجواء الوفاق السائدة، فقد أقرت اللجان هذين البندين لكي تصبح السلسلة جاهزة أمام الهيئة العامة بإيراداتها، للإقرار في المجلس.
كل الاجواء تشير إلى أن القوى السياسية جادة وجازمة حيال إنجاز السلسلة وتمويلها، أيا تكن النتائج المترتبة على الاقتصاد أو على المواطنين، إنطلاقا من اقتناع بأن الضرائب المقترحة لا تحمل ذوي الفئات المتوسطة أعباء، وأن كل ما يحكى عن أعباء يدخل في إطار التهويل، علما أنه كان في الإمكان تلافي جزء كبير من الضرائب والاكتفاء بإجراء أو اثنين على أبعد تقدير لتمويل السلسلة. فبند تسوية المخالفات البحرية كفيل وحده بتمويل السلسلة، إذ تقدر إيراداته بـ800 الى 900 مليون دولار، أو مساهمة المصارف في الاكتتاب بسندات خزينة محسومة، كانت اقترحت السير بها لتغطية كلفة السلسلة. لكن المشكلة لا تقف عند حد تمويل السلسلة بـ1200 مليار ليرة بعدما نجحت اللجان بخطوة قد تكون الايجابية الوحيدة في هذا الموضوع، في وضع سقف للإنفاق، بحيث بات متعذرا رفع الانفاق عن هذا السقف، كما أن المبلغ المرصود في الاحتياط لهذه الغاية بات يمكن صرفه في هذا الاتجاه وليس في اتجاهات أخرى.
فالمشكلة تكمن في الاجراءات الضريبية الاخرى المقترحة ضمن مشروع الموازنة، والتي تثير قلقا وخشية كبيرين في الأوساط الاقتصادية، نظرا إلى ما سترتبه من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد وعلى مؤسسات القطاع الخاص قد تصل إلى حد الإفلاس في ظل مؤشرات اقتصادية متراجعة جداً.
صرخة للتجار أطلقوها أمس على هامش احتفال تكريمي للإعلام أقامته جمعية تجار بيروت، تختصر بسؤال محوري يستولد مجموعة من التساؤلات: ماذا تريد الدولة من الناس ومن المؤسسات الاقتصادية؟ هل يعي المسؤولون حجم الاضرار والخسائر اللاحقة بمختلف القطاعات، أو نسبة البطالة في صفوف الشباب على حساب تشغيل اليد العاملة السورية، أو نسبة النمو الضعيف المحقق في الاعوام الاخيرة؟
واستطرادا، ما الذي يدفع السلطات المالية إلى وضع إجراءات تكبل المؤسسات وتدفع أصحابها إلى البحث عن وجهات استثمارية خارج البلاد، كما ستكون الحال مع شركات "الأوف شور" التي وضعت قيودا على أنشطتها، فيما تشكو المؤسسات إجراءين وردا في قانون الموازنة، أحدهما يحظر الاعتراض على التكليف والآخر يسقط مرور الزمن عن التحقق؟
ويلاحظ أن وزارة المال قدرت الإيرادات المالية المتوقعة من الإجراءات الجديدة المقترحة بـ2436 مليار ليرة، منها كلفة السلسلة البالغة 1200 مليار، يضاف اليها 980 مليارا هي بدل غلاء المعيشة، مما يعني أن هناك إيرادا إضافيا بما يقارب 346 مليار ليرة، قدرته الوزارة تحسبا لاحتمال عدم قدرتها على تحصيل الإيرادات وفق التوقعات.
وبالنظر إلى الإيرادات المحققة في 2016 ومقارنتها مع 2015، يظهر أن التحسن لم يتجاوز نسبة 2,6 المئة، مقابل زيادة في الإنفاق تجاوزت الـ7 في المئة، مما جعل العجز يرتفع إلى 33 في المئة مقارنة مع 29 المئة في 2015.
وتجدر الاشارة إلى ان وزارة المال كانت وضعت ضمن فرضياتها الماكرو – إقتصادية لـ2017 والتي أعدّ على أساسها مشروع الموازنة، ان يكون الناتج المحلي في حدود 82 ألف مليار ليرة على أساس معدل نمو حقيقي نسبته 2,6 في المئة ونسبة تضخم تبلغ 1,88 في المئة. كما قدر الإيرادات الإجمالية بـ 16858 مليار ليرة مقارنة مع 16185 مليارا مقدرة في موازنة 2016 (المحقق 13989 الفا).
ثمة شكوك في الاوساط المالية والاقتصادية في قدرة الحكومة على تحقيق هذه التوقعات في ظل الوضع الاقتصادي الراهن. علما ان وفدا من رجال الاعمال والتجار كان اجتمع قبل أيام بمستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية مازن حنا وسلمه مذكرة بملاحظاتهم على الإجراءات الضريبية المقترحة.
التعليقات