علي سعد الموسى

كان قلماً لا يشبه بقية الأقلام، لم يكن حبراً ولا رصاصاً ولا شيئا أبداً من بقية اختراعات مصانع الأقلام، كان ثامر الميمان، رحمه الله، في عوالم الكتابة، براءة اختراع، وكانت أفكاره فيما يكتب تقترب من أن تكون علامة تجارية لماركة مسجلة. ولو وضعت أمامي اليوم مئة مقال منزوعة الأسماء والعناوين لتعرفت على مقال ثامر الميمان من بينها بذات سلاسته وأيضاً عقده وصعوبته.


كانت هذه «الوطن» في أشهر صدورها الأولى، ويومها كنت أعمل بها فترة المساء ما بعد دوام الجامعة. دلفت إلى مكتب الرفيق القديم، قينان الغامدي وإذا بي أشاهد من حوله رجلين بمشترك واحد من العلامة الفارقة: كانا فارعي الطول بطريقة لافتة، وكانا في هذا التوصيف الجسدي البيولوجي أكبر من أن تتحمل وجودهما مؤسسة صحافية أو حتى أبواب مبنى صمم للاعتيادي الطبيعي من أطوال ومقاسات البشر. لم يكونا إلا عبدالله مناع وثامر الميمان. ومن اليوم التالي فيما أتذكر، وأرجو ألا أكون مخطئاً، بدأ الاثنان مرحلة من الكتابة في هذه الصحيفة، وكأنها «برشلونة» التي خطفت ميسي ونيمار في خط هجوم ناري.
لم أكن يومها قد ابتدأت مشواري مع الكتابة والحق أنني كنت أكثر هدوءاً وتصالحاً مع النفس قبل هذا المشوار. وفي فترة لاحقة من حروب الكتابة الطاحنة، قررت أن أتوقف دون حدود لزمن العودة. بعد زمن اتصل بي ثامر الميمان يسأل عن أسباب الغياب. قلت له إنها جراح الكتابة في مجتمع منقسم إلى ألف فصيل حول صراع الأفكار. كانت نصيحته الفورية أن أبتعد لفترة عن الكتابة الفكرية وتحليل الخطاب، وأن أركز متفرغاً على قضايا الناس في حياتهم اليومية. أتذكر جملته: ستكون يا علي طاغياً وشعبوياً لو أنك انحزت لهذه الشريحة في قاع المجتمع والميدان. وحين قابلته للمرة الأخيرة قبل أعوام في مطار الرياض عدنا إلى النصيحة ذاتها التي لم أعمل بها فودعني وهو يقول: الكاتب هنا، وفي هذا المجتمع يجب ألا يتصرف كأستاذ جامعة. بالطبع فهمت الوصفة السحرية ولكن بعد فوات الأوان. ظل ثامر الميمان وهكذا عاش يكتب قصص الناس ولا يتردد أبداً أن يخصص المساحة كاملة لقصة فردية خالصة. ورغم عمق التكوين المعرفي الهائل لم يكن ثامر الميمان، أبداً، يذهب إلى عمق القاموس اللغوي، بل كان يلتقط الأقرب الأسهل من المفردات المشتركة في اللسان اليومي لما يقوله الجمهور، وبزعمي أنه أحد القلائل جداً من الكتاب الذي تستطيع تحويل كلامه الشفهي إلى مقال مكتوب، وهذا إعجاز خارق لمن يعرف جموح الكتابة. كتبكم بصدق وألم وحب وحرقة..... ادعوا له بالرحمة.