غسان حجار
هل يصدّق احد إمكان الحسم في سوريا لمصلحة النظام او المعارضة بعدما تحولت الحرب السورية حرباً دولية على المصالح المتعلقة إن بسوريا وخيراتها او بالنفوذ والمصالح في المنطقة ككل؟ نعم يمكن توفير الحل عندما يتفق الكبار على تقاسم جديد للنفوذ والمصالح، فينهون النظام المتعجرف، والمعارضات التي صار اكثرها ارهابياً، اذ ان التعايش مع الطرفين غير ممكن، وحياة الطرفين ايضا غير ممكنة. وما دام الاتفاق على البدائل صعبا ومعقدا وغير متوافر، فان الفصل الاخير للحرب يظل بعيدا.
النظام بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه لن يكون قادرا، بشكله الحالي، على استعادة زمام المبادرة، وامساك الاقلية العلوية بمقاليد الحكم في ظل بحر هائج من الاكثرية السنية. والمعارضة، بما هي معارضات غير متفقة على الحد الادنى من النظرة والرؤية الى مستقبل سوريا، لا يمكنها تسلم الحكم ونقل انقساماتها وصراعاتها الى المؤسسات لتنفجر من داخلها.
امس، كانت غارة اميركية بالصواريخ على مطار عسكري سوري، اعتبر النظام انه كان اقوى منها، اذ صرح بانه افرغ القاعدة الجوية من طائراتها الحربية، وركز على وقوع اصابات مدنية، كأنه بذلك يرد على الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ويتهمه بالفشل، وفي هذا شكل اضافي من التعجرف وعدم الواقعية في التعامل مع المستجدات، بل ادارة الظهر لها. الضربة ليست عسكرية بل سياسية، وهي لا تبدل في توازن القوى الميداني، بل تبدل في موازين القوى السياسية، ورسالتها الى النظام وايران و"حزب الله" اكثر منها الى روسيا التي ثبّتت موقعها في المعادلة الاقليمية، ولم يعد ممكنا تجاوزها، بل صار الاتفاق معها ضرورة لأي فريق آخر.
المشهد في سوريا لا يختلف كثيرا عما عرفه لبنان خلال الحرب التي امتدت خمسة عشر عاما، رغم كل المؤتمرات، والمبادرات، والادانات، والقرارات العربية والدولية التي ظلت حبرا على ورق الى ان حانت الساعة، ساعة الاتفاق بين القوى العظمى.
المَشاهد بالامس، وفي كل يوم، تعيدنا بالذاكرة إلى أيام "تنذكر وما تنعاد" عشنا فصول مآسيها، لتؤكد ان الوهن أصاب سوريا ولم يعد الخروج من المستنقع امرا سهلا، وقد مرت ست سنوات الى اليوم على تلك الحرب، رغم الإنكار الرسمي الذي سيظل سيد الموقف الى ما لانهاية، مذكرا بوزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الذي استمر الى اللحظة الاخيرة يصف الاميركيين بالعلوج ويهزأ منهم قبل ان يصمت الى الابد.
القراءة الواقعية تفيدنا اكثر مما تفيد السوريين انفسهم، وذلك لإبعاد شبح انتقال الحرب الينا مجددا، والدفع لانسحاب اي فريق لبناني من سوريا، وتحديدا "حزب الله" الذي لعب دور قوات "الردع"، الى لبنان، وهو يدفع اثمانا باهظة، وربما يخرج كما خرجت القوات السورية من لبنان نتيجة اتفاقات دولية لا تقيم له اعتبارا.
التعليقات