سلمان الدوسري
بينما يتجه الناخبون الفرنسيون اليوم الأحد في الجولة الأولى من انتخاباتهم الرئاسية، فإن ثنائية التطرف والتطرف المضاد تلقي بظلالها على هذا البلد العريق، فالعمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش وضربت فرنسا في الفترة الأخيرة ألقت بظلالها على مخاوف الشارع الفرنسي،
فالجماعات المتطرفة هي الأكثر سعادة بالتوجهات المتطرفة لمرشحة الرئاسة الفرنسية مارين لوبان، في الوقت الذي تكون زعيمة اليمين المتطرف الأكثر استفادة من تلك الموجة الإرهابية، فكلما أمعن «داعش» في إرهابه كرست لوبان عداءها للإسلام، وليس للمتطرفين، فعندما يعلن «داعش» مسؤوليته عن الهجوم المسلح على سيارة شرطة في شارع الشانزليزيه، فإن لوبان ترد سريعاً بالدعوة لإغلاق جميع «مساجد المسلمين» في فرنسا، وليس المساجد المتطرفة مثلاً، وهذه ليست إلا حلقة جديدة من مسلسل التطرف والتطرف المضاد الذي يضرب أوروبا في السنوات الخمس الأخيرة ويبدو جلياً في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
لوبان دائماً ما تثير الجدل في مواقفها من الإسلام والمسلمين، كما أن تحريضها على الكراهية والعنصرية ومعاداتها للسامية دفعا عدداً من النواب الأوروبيين للمطالبة برفع الحصانة البرلمانية عنها. مواقف لوبان المتطرفة تنحو منحى عنصرياً أيضاً، بعد أن صرحت بها في وقت سابق، ومن ضمنها موقفها من لاعبي منتخب فرنسا لكرة القدم (سابقاً)، خصوصاً ذوي الأصول الجزائرية ككريم بنزيمة وسمير نصري، بالإضافة إلى فرنك ريبيري المتزوج من جزائرية، ووصفهم بالمنحرفين وعديمي التربية ولا يحبون منتخب فرنسا، ويريدون فقط جمع الأموال ويستهزئون بالفرنسيين ولا يفتخرون بتمثيل البلاد، انعكاس تلك المواقف المتطرفة المتتالية في أن لوبان لم تعد زعيمة حزب يميني متطرف منبوذ من غالبية الفرنسيين، كما كان الحزب طوال ترؤس والدها له، بل هي على أبواب الإليزيه مرشحة رئاسية قوية، في حين رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف يتهمها باستغلال اعتداء الشانزليزيه بهدف «إشاعة الخوف كما هي عادتها عقب حصول الاعتداءات الإرهابية، وبث التفرقة لأغراض سياسية حصراً»، بالطبع مفهوم استخدام السياسي ومزايدته للحصول على مكاسب انتخابية، لكن إذا بلغت هذه الوسائل تشجيع التطرف في العالم، فهي مسألة خطيرة للغاية، فمن الاستحالة محاصرة الإرهاب بتطرف مقابل، بقدر ما هي توسع من دائرته وتمنح مرتكبيه تبريرات وهمية لتجييش مناصريهم.
لا شك أن خطاب مارين لوبان لم يعد يعزف منفرداً في أوساط بلادها، ولم يعد المتطرفون وحدهم من يؤيدونها، فقد أخذ خطابها يلقى صدى واسعاً، خاصة بعد تعهدها بإخراج فرنسا من اتفاقية شينغن لحرية التنقل للأشخاص والبضائع في أوروبا، وكذلك إعادة الفرنك الفرنسي محل العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، وفي غالبية المجتمعات، مهما كانت متقدمة، دائماً ما تجد اللغة الشعوبية تجاوباً وتأييداً من شرائح متعددة، فإذا أضفت لها استغلال حالة الخوف من الجماعات الإرهابية، فإن محاولة إقناع الناخبين لن تكون صعبة جداً، حتى وإن كانوا في بلد ديمقراطي عريق مثل فرنسا، وقد كان الرهان سابقاً على وعي الناخب الفرنسي في إيقاف اليمين المتطرف عند حدود معينة، إلا أن هذه الحدود بدأت في التلاشي شيئاً فشيئاً.
الانتخابات الفرنسية تجرى هذه المرة في ظل أجواء أوروبية متوترة في أعقاب تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وتصاعد اليمين المتطرف في أنحاء متعددة من أوروبا، هذه الانتخابات هيمنت عليها على مدى الأسابيع الماضية ملفات أساسية عدة، قبل أن يتمكن «داعش» من فرض نفسه كناخب حاسم فيها بعد الاعتداء الأخير، ففرنسا قوة نووية لا يستهان بها، كما أنها سادس أكبر اقتصاد في العالم، وأحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي، ما يجعل الانتخابات حدثاً مهماً ينتظره الجميع، ومن المؤسف أن يكون التطرف المضاد هو الحل الذي يراه بعض السياسيين وأيضاً الناخبين، فإذا أضفنا عدم نجاح مسلمي فرنسا في دحض أفكار لوبان من رؤوس الشارع الفرنسي، وعجزهم عن بيان حقيقة الإسلام المتسامح للآخر، فقد وجد المتطرفون الطريق أمامهم مفتوحاً ليعطوا صورة مشوهة عن الإسلام استغلته لوبان وحزبها على أنه دين عنف وإرهاب.
ليس مفاجئاً اختيار «داعش»، أو «الناخب رقم واحد» كما يقال، لعمليته قبل يومين من الانتخابات الفرنسية، فهو يقدم هدية لا تقدر بثمن للوبان دافعاً بها للحصول على أصوات 40 في المائة من جمهور المترددين، وإذا كان «داعش» يصوت اليوم لزعيمة اليمين المتطرف، فإنه بالتأكيد سيكون أكثر الفرحين بفوزها ووصولها لسدة الرئاسة.. .
التعليقات