فاتح عبد السلام

‭ ‬بين‭ ‬وقت‭ ‬وآخر‭ ‬نسمع‭ ‬ونرى‭ ‬فناناً‭ ‬أو‭ ‬أديباً‭ ‬أو‭ ‬اعلامياً‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬صحية‭ ‬صعبة‭ ‬،‭ ‬فيختفي‭ ‬تدريجياً‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يزوره‭ ‬ويتفقد‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬عزلته‭ ‬التي‭ ‬تتضاعف‭ ‬المعاناة‭ ‬فيها‭ ‬بحكم‭ ‬العوز‭ ‬وضيق‭ ‬ذات‭ ‬اليد‭ ‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬حال‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فقراء‭ ‬،‭ ‬طردتهم‭ ‬معارك‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬ذات‭ ‬المستوى‭ ‬اللائق‭ ‬في‭ ‬قديم‭ ‬الأزمان‭ ‬الى‭ ‬ساحل‭ ‬الفقر‭ ‬الأجرد‭ .‬

لا‭ ‬نفع‭ ‬في‭ ‬اتحادات‭ ‬ونقابات‭ ‬للفن‭ ‬والادب‭ ‬والاعلام‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬ضعيفة‭ ‬الامكانات‭ ‬أصلاً‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬انها‭ ‬غير‭ ‬مصممة‭ ‬لأداء‭ ‬أدوار‭ ‬اجتماعية‭ ‬وانسانية‭ ‬تعود‭ ‬بالتنوير‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬لأنها‭ ‬غالباً‭ ‬حبيسة‭ ‬المحبسين‭ ‬التخبط‭ ‬المؤسساتي‭ ‬وأهواء‭ ‬السياسة‭ ‬وضروراتها‭ .‬

‭ ‬المبدعون‭ ‬العراقيون‭ ‬اكثر‭ ‬غزارة‭ ‬في‭ ‬الانتاج‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬آخر‭ ‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬بحكم‭ ‬الفاقة‭ ‬والعوز‭ ‬الاقل‭ ‬ظهوراً‭ ‬،‭ ‬والعدد‭ ‬الواضح‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬المشهد‭ ‬الابداعي‭ ‬الادبي‭ ‬والفني‭ ‬العراقي‭ ‬بكل‭ ‬تفرعاته‭ ‬الغنية‭. ‬هموم‭ ‬المبدع‭ ‬العراقي‭ ‬لاتزال‭ ‬تراوح‭ ‬عند‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬طبع‭ ‬رواية‭ ‬او‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية‭ ‬او‭ ‬كتاب‭ ‬نقدي‭ ‬او‭ ‬مسرحية‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يجد‭ ‬المال‭ ‬الكافي‭ ‬لتمويل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تحول‭ ‬الكتاب‭ ‬الى‭ ‬صناعة‭ ‬مكلفة‭ ‬في‭ ‬الانتاج‭ ‬والمواد‭ ‬والتسويق‭ ‬والنقل‭ ‬والتخزين‭ . ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مف‭ ‬المسرح‭ ‬والفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬والموسيقى‭ . ‬ويرافق‭ ‬ذلك‭ ‬هم‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المهرجانات‭ ‬العرلبية‭ ‬والدولية‭ ‬للأسباب‭ ‬ذاتها‭ ‬ويضاف‭ ‬اليها‭ ‬الأغطية‭ ‬السياسية‭ ‬كالعادة‭ . ‬لو‭ ‬أحصينا‭ ‬عدد‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ممن‭ ‬يستحق‭ ‬ان‭ ‬يطبع‭ ‬عملاً‭ ‬ابداعياً‭ ‬،فربما‭ ‬كانوا‭ ‬خمسمائة‭ ‬مبدع‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬ضعف‭ ‬عددهم‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬والتشكيل‭ ‬والسينما‭. ‬ولنقل‭ ‬انّ‭ ‬العدد‭ ‬ألفان،‭ ‬ينقص‭ ‬مائة‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭ ‬،‭ ‬هل‭ ‬تعجز‭ ‬دولة‭ ‬نفطية‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬برامج‭ ‬رعاية‭ ‬خاصة‭ ‬للمبدعين‭ ‬،‭ ‬لاسيما‭ ‬غير‭ ‬المرتبطين‭ ‬بوظائف‭ ‬ذات‭ ‬دخل‭ ‬جيد‭ ‬،‭ ‬ومعظم‭ ‬المبدعين‭ ‬متقاعدون‭ ‬مدمرون‭ ‬من‭ ‬شظف‭ ‬العيش‭ . ‬نعم‭ ‬خصصوا‭ ‬لهم‭ ‬رواتب‭ ‬شهرية‭ ‬مجزية‭ ‬للعيش‭ ‬الكريم‭ ‬واطلقوا‭ ‬لهم‭ ‬مشروع‭ ‬طبع‭ ‬كتاب‭ ‬سنوياً‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬او‭ ‬تمويل‭ ‬معرض‭ ‬او‭ ‬مسرحية‭ ‬او‭ ‬سوى‭ ‬ذلك‭ . ‬انما‭ ‬تبنون‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬تمنحون‭ ‬منحاً‭ ‬شخصية‭ ‬لأحد‭ ‬،انها‭ ‬منح‭ ‬للبلد‭ ‬من‭ ‬اموال‭ ‬البلد‭ ‬التي‭ ‬تبذرونها‭ ‬وتهدرونها‭ ‬بالمليارات‭ . ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬خصصت‭ ‬كل‭ ‬وزارة‭ ‬من‭ ‬موازنتها‭ ‬منحة‭ ‬لمشروع‭ ‬دعم‭ ‬المبدعين‭ ‬ورعاية‭ ‬نطفة‭ ‬التنوير،‭ ‬وليكن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬معلناً‭ ‬باسم‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬احزابه‭ ‬واشخاصه‭ ‬المتربصين‭ . ‬ليكن‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭ ‬المتهالك‭ ‬سلطة‭ ‬رابعة‭ ‬حقيقية‭ ‬هي‭ ‬سلطة‭ ‬التنوير‭ ‬والتسامح‭ ‬والرقي‭ ‬والانفتاح‭ ‬والمحبة‭ ‬بالابداع‭ ‬وتخصصاته‭ ‬كلها‭ .‬

اعلم‭ ‬ان‭ ‬الاولويات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬العراقية‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬كسرة‭ ‬الخبز‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬المدمرة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬كما‭ ‬الشعوب‭ ‬الراقية‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يتكرر‭ ‬الحال‭ ‬الذي‭ ‬تحطم‭ ‬فيه‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬أو‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ . ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬هدم‭ ‬الاوطان‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بالقوة‭ ‬الامنية‭ ‬والاحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬وقرارات‭ ‬الحكومات‭ ‬،‭ ‬وانما‭ ‬بالبناء‭ ‬الداخلي‭ ‬،‭ ‬واطلاق‭ ‬العيون‭ ‬المشعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬اكبر‭ ‬تنوير‭ ‬مستمر‭ ‬تحترق‭ ‬فيه‭ ‬الظلمات‭ ‬كاما‭ ‬اشرأبت‭ ‬برأسها‭ .‬

‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يقول‭ ‬،‭ ‬كيف‭ ‬السبيل‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬الظلاميون‭ ‬أنفسهم‭ ‬يحكمون‭ ‬؟‭.‬