عزة السبيعي
في ليلة ما، وفي مستشفى الملك خالد بجدة، دخلت سيدة في بدايات الأربعين إلى غرفة الاستراحة المقابلة لقسم العناية المركزة، في مظهر من كانت ستقضي الليلة في احتفال، وليس في مستشفى، كانت تبدو حزينة جداً ومصدومة.
كانت تلك الغرفة تجمعا حقيقيا للأحزان، فقد كانت هناك شرعا الشهري، التي كتبت عنها مقالا وعن أبيها رحمة الله عليه، وكنت أنا وأخواتي ننتظر أن يبشرنا أحد بأن أمي استعادت وعيها.
في الصباح كانت السيدة تبدو أكثر هدوءا، مما مكنها من الإجابة على أسئلة النساء، فأخبرت أنها كانت قادمة مع زوجها من مكة لحضور مناسبة في جدة، وفي الطريق أغمي عليه، لكن قبلها استطاع إيقاف السيارة على جانب الطريق بين مكة وجدة، وبقيت معه ساعتين وجدتني في وضع أقرب إلى الاحتضار، دون أن يتوقف أحد أو يأتي الإسعاف لإنقاذه، رغم قربهم من مستشفى الملك خالد، لأسألها بدهشة: ألم تحاولي الجلوس في مكانه وقيادة السيارة، فنظرت نحوي بحزن شديد، وقالت «ما أعرف»، ليتبادل النساء حديثا حول أهمية القيادة، بينما انحنى رأسها وهي تنظر إلى الأرض، لأقول لها: ألا تظنين أنه كان يجب أن تعرفي القيادة على الأقل لموقف كهذا، فصرخت إحدى مرافقاتها: حتى لو عرفت ما كان سينقذه، منهية الحوار، صمتّ وبقيت أتأمل رأسها المنحني الذي ربما يتذكر أنه لساعتين كان زوجها يصارع الجلطة دون إنقاذ.
بعدها بساعات أخبر الأطباء أن الزوج أصيب بجلطة، ليتوفى بعد خمسة أيام.
كنت أشعر أني أعرف السيدة، أو رأيتها من قبل، لأسألها إن كانت درست في أم القرى، لتخبرني بأنها وكيلة إحدى الكليات الدينية في جامعتي أم القرى فعرفتها مباشرة.
قررت متابعتها في تويتر، فلاحظت لغتها الراقية وبعدها عن الجدل، لكنها أيضا لا تتحدث عن قيادة السيارة، لا رفضا ولا قبولا.
مر أكثر من عامين على هذه الحادثة التي احتاجت هذه السيدة لإنقاذ زوجها بقيادة سيارته إلى المستشفى، ولم تغيرها ولم تجعلها تظهر تعاطفا ولو بسيطا مع المطالبات بالقيادة، أو حتى تشير بوجوب تعلم القيادة على الأقل حتى يكون لدى النساء ما يستطعن فعله في مثل هذه المواقف، أتساءل: لماذا يغير الناس في العالم مواقف كهذه وتجعلهم يرفضون تكرارها، ولم تفعل هي وغيرها من النساء في بلادنا اللواتي يشاهدن بأعينهن تجارب نساء معنفات، ويصررن أنهن ملكات، ويشاهدن نساء يرفض إخوتهن النفقة عليهن، ثم يرفضن أن تعمل المرأة لإعالة نفسها، أو تشاهد نماذج لتحرش سائقي الليموزين وإذلال السائقين، وتقول «برضو» لا يجوز أن تقود.
أوقن من حديثنا تلك الأيام أن ما يمنع كل هؤلاء النساء هو الخوف من خطاب التعنيف الموجه ضد كل من تفكر بدعوة النساء إلى حق لا يوجد في قائمة الحقوق التي يؤمن بها المسيطرون على الخطاب الدعوي حولنا، والمستعد دائماً لإخافتك بالتكفير والتعرض لشرفك، وأعظم ما تملكه المرأة هو شرفها، وسمعتها فكيف تتحدث وهي سترمى بأقبح صفة لمجرد أنها تحدثت عن حق إنساني كفله الدين والشرع؟
في أي مكان في العالم يخاف الناس من القانون، فهل سيخاف يوماً هؤلاء من القانون ويتركون النساء الداعيات يقفن مع الحياة الكريمة للمرأة المسلمة؟
التعليقات