نحو بنية عصرية للدولة استقلال سلطة القضاء سيادة القانون وتعزيز العدل

فوزية أبو خالد

عندما أُدرس طالبات الدراسات العليا مقرر علم اجتماع وطني فلا بد ضمن إطاره التنظيري لعلم الاجتماع السياسي من التوقف بهن عند عدد من المصطلحات والمفاهيم المنهجية لهذا الحقل المعرفي. وبما أن كلا من علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع الوطني من المقررات التي لاتقع ضمن الخطة التعليمية للمستوى الجامعي من الدراسات الاجتماعية لمرحلة البكالوريوس، فإن ذلك يتطلب تأسيسا أوليا في أذهان طالبات الدراسات العليا للمكون اللغوي والعلمي على مستوى المصطلح والمفهوم والأدوات والمنهج والنظرية لمجال دراسة السياسي والوطني دراسة علمية. وبهذا الهدف يكون عادة من مبادئ تحقيقه فحص وتفكيك مصطلحات ومفاهيم البنية العصرية للدولة في تركيبها الثلاثي المستقل للسلطة والمتمثل في فصل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وسلطة القضاء بما يمنحها حرية العمل بحياد للصالح الوطني. هذا مع تنويه بالسلطة الرابعة التي كانت ممثلة في الصحافة وتحولت اليوم عالميا بفعل ثورة التكنولجيا لمنصات التعبير الإلكتروني.

وبما أن دراسة علم الاجتماع عموما وربما عموم الدراسات الإنسانية، خاصة في مسارات الدراسات السياسية ودراسة التغير والتنمية تقوم على التعرف على الجانب النظري من ناحية وعلى الجانب الميداني من ناحية أخرى، فقد كنا نتوقف طويلا عند مقاربة المصطلحات والمفاهيم النظرية بالواقع الميداني وكذلك عند مقارنة الواقع الميداني للمجتمع السعودي بتلك المصطلحات والمفاهيم على مستوى الجانب النظري وعلى مستوى جانب تطبيقاتها الميدانية في مجتمعات أخرى، وعلى وجه التحديد مجتمعات منشأها النظري ووعاؤها الحضاري أي البنية السياسية للدولة الوطنية (ناشيونال ستييت ) مما يمثل الطبيعة التعاقدية القانونية الانتخابية/الديموقراطية في علاقة الدولة العصرية بالمجتمع على الجهة الشمالية من الكرة الأرضية.

وكان من مسببات ذلك التوقف التحليلي الطويل في مقاربة المصطلح والمفهوم النظري بمقابله الميداني تلك الاختلافات المتدرجة من العميقة إلى الطفيفة بينها وبين واقع المجتمع والدولة بالمجتمع السعودي على مستوى البنية السياسية للدولة وعلى مستوى طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة. ولهذا كانت القراءة التاريخية لتطورات الدولة والمجتمع من لحظة التأسيس الأولى التي قام بها الملك عبدالعزيز ومؤازروه في تحويل هذا الجزء من الجزيرة العربية المترامي الأطراف إلى دولة سعودية موحدة ضرورة منهجية للمقاربة بين المصطلح والمفهوم النظري وبين الواقع في دراسة التحولات السياسية والاقتصادية بل والإدارية لمتابعة خطوات التحول السعودي إلى دولة عصرية ومدى تحقق ذلك على مستوى التركيبة السياسية للدولة وللسلطات الثلاث وللعلاقة التبادلية بينها وبين المجتمع.

ولهذا سيكون خبر يوم السبت 22 رمضان 1438هـ الموافق 18 جون 2017م جزءا حيويا من منهج هذا المقرر للعام القادم (إن الله أحيانا وقمت بتدريسه) كيوم انبعاث مجلس الشورى بالتسعينيات بعد توقفه قرابة نصف قرن لتمثيل مايرمز لسلطة تشريعية في بنية الدولة، لأضيف لمقرر علم الاجتماع السياسي والوطني هذه الجزئية الجديدة المنبثقة عن القرارات الملكية الهامة بفك ارتباط النيابة العامة للقضاء عن وزارة الداخلية وربطها مع الملك مباشرة، مع تغيير اسم هيئة التحقيق والادعاء العام ليكون النيابة العامة بما يحمله المسمى الأخير من محاولة للتقارب مع القواعد والمبادئ النظامية عربيا وعالميا.

وتأتي أهمية هذه القرارات للمجتمع أولا ولسياق الدراسات العلمية التطبيقية كالتي أتحدث عنها في الإجراء المنشود والضروري لبنية كل دولة عصرية والمتمثل في فصل سلطة القضاء عن السلطة التنفيذية بما يتيح قراءته للمتابع كمؤشر لنقلة نوعية في بنية الدولة، قابلة للتطوير بإذن الله والبناء عليها وإعطاء بعد جديد للعلاقة بين الدولة والمجتمع.

وإذا كان القرار بحد ذاته تعبيرا عن إرادة وطنية لأن تكون سلطة القضاء سلطة مستقلة بما يمنح سلطة القضاء هيبة وقوة وحيادية لم تكن لتتمتع بها وهي رهن أي جهاز تنفيذي آخر من أجهزة الحكومة فإنه أيضا قد يكون مؤشرا لدارسي علم الاجتماع السياسي على الشوق الوطني بتطوير بنية الدولة نفسها، وقد مرت مراحل متعددة كان فيها هذا التطوير ينحو منحى مراوحا أو ليس في مستوى تمثيل السعودية كبلد يحرص على أن تكون له دولة أساسية ومؤثرة إقليميا ودوليا ومثالا يحتذى في المنطقة.

يضاف إلى ماتقدم أن مهلة التسعين يوما التي منحها خادم الحرمين الشريفين لهيئة الخبراء الموسعة من داخل مجلس الوزراء ومن خارجه من المختصين الخُلص بمراجعة نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ونظام الإجراءات الجزائية والأنظمة الأخرى والمراسيم الملكية ذات الصلة واقتراح تعديلها يؤمل منها أن تكون خطوة جذرية نحو التغيير تغييرا إصلاحيا للبنية التشريعية في القضاء. ليصير القانون سيد الموقف وبما يجعل السعودية دولة القانون في علاقتها بالمجتمع وفي قيادة علاقة المساواة والعدل بها وبين جميع قطاعات المجتمع مؤسسات رسمية ومنظمات مدنية وأفراد.

هذا مع أمل يحدوكل بنات وأبناء الوطن بأن تكون هناك إجراءات جريئة مماثلة تجاه هيئة الرقابة والتحقيق بتحويلها لنيابة إدارية مع تمكين قطاع المحاماة من عمل مستقل يصب مهنيا في تعزيز القضاء النزيه ويصب ثقافيا في تعزيز الوعي الحقوقي ويصب وطنيا في تعزيز العدل.