كمال بالهادي
منذ بدء الأزمة الخليجية، سارعت إسطنبول بإرسال جنودها إلى الدوحة، في إشارة واضحة إلى أنها تقف في صف قطر عسكرياً، فيما لو تطورت الأزمة إلى المستوى العسكري. ولم تكن زيارة وزير خارجيتها إلى بعض دول الخليج سوى ذر رماد في العيون، بما أن الخطوة جاءت بعد أن تم إرسال العتاد والجنود إلى القواعد التركية في قطر.
لو نسترجع بعض الأحداث التي وقعت خلال «فخ الربيع العربي» الذي وقع فيه العرب، سنجد أن تركيا لعبت دائماً دور المغذي للصراعات، وأن نهجها تجاه العرب، كان دائماً نهجاً عدائياً. وهذا الوضع ترسخ كثيراً منذ وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى السلطة، وهذا الحزب هو فرع من فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
الخيار العسكري المباشر الذي اختارته أنقرة، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، طموحاتها تجاه منطقتنا. ولعل خطورة الدور العسكري استشعرته الدول المقاطعة للدوحة، فكان مطلب إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، هو أحد أهم المطالب التي تقدّمت بها الدول العربية، للوسيط الكويتي الذي أبلغها لقادة قطر. البند الثاني من لائحة المطالب كان يخص القاعدة العسكرية التركية، وهو ما بين خطورة التنازع الإقليمي على المنطقة العربية، ويأتي هذا المطلب بعد البند الأول الذي يخصّ العلاقات بين الدوحة وطهران.
الطموحات التركية، تجعلها تلعب أدواراً مشبوهة، فهي سارعت بإرسال العسكر والآليات الحربية، ثم تبعتها بضخ المواد الغذائية لفك المقاطعة عن قطر، وكأنها تريد أن ترسل رسائل تحذير للدول العربية، من أن المساس بالدوحة يعني المساس بأنقرة، وأنها مستعدة للدفاع عن قطر حتى بالوسائل العسكرية إن اقتضى الأمر. أما لماذا هذا التحالف القوي بين البلدين، فالأمر واضح وشديد البساطة.
الدوحة هي عاصمة الإخوان المسلمين، وأنقرة هي الفرع القوي عسكرياً واقتصادياً. والمسؤولية التي تقع عليها، تتمثل في حماية التنظيم، واللجوء إلى العنف في وجه أي خطر يهدد التنظيم، وهذا حدث فعلاً في كل التجارب الإخوانية السابقة، حيث كانت الأيدي على الزناد دائماً لردّ الفعل ضد السلطة، وضد الدولة. وهنا تبرز العقيدة الأساسية للإخوان، والتي تعتمد العنف وسيلة أولى لتحقيق أغراض سياسية. وقد صدق عبد الناصر عندما قال «الإخوان ما لهمش أمان». ومنطق التحرك العسكري الذي اختارته أنقرة منذ بداية الأزمة لا يختلف عن هذا المنطق الإخواني الذي يقوم على خلق الأزمات وافتعالها، وتأجيجها من أجل إنهاك الدول حتى تسهل السيطرة عليها.
وإذا ما أخذنا أمثلة أخرى، سنجد أن أنقرة كانت دائماً تقف ضد المصالح العربية، وكانت دولة مغذّية للصراعات والأزمات ولم تكن تعمل على تقريب ذات البين حتى بالمنطق الديني. في سوريا لعبت تركيا إلى جانب قطر أخطر الأدوار في تأجيج الصراع وفي تمويل الجماعات الإرهابية، وضخ آلاف المقاتلين إلى بؤرة الصراع السورية. وهنا لا يخفى على أحد أن مطارات تركيا كانت في سنوات «فخ الربيع العربي»، هي محطة توافد المقاتلين الذين جرى تدريبهم وتجنيدهم في دول عدّة. لقد غذّت تركيا الصراع، وآوت الإرهابيين الذين كانوا يصولون ويجولون في تركيا براحة تامة ويتنقلون منها وإليها، ليمارسوا عمليات إرهابية في دول عدّة، ثم يعودون إلى أنقرة سالمين، ليلتحقوا في مرحلة ثانية بأرض الخلافة «الداعشية» المزعومة. كثير من الإرهابيين التونسيين نفّذوا عمليات إرهاب واغتيال، ثم فرّوا إلى ليبيا ومنها إلى أنقرة التي سهّلت عودتهم إلى «داعش» بعد تنفيذ العمليات. وكذلك حدث الأمر في عدد من العمليات الإرهابية التي وقعت في أوروبا، حيث كانت السيرة الذاتية التي تنشر عن منفذ العملية تحتوي ملاحظة «كان كثير التردد على تركيا».
لقد ساهمت تركيا الأردوغانية في تدمير سوريا تدميراً شاملاً، وساهمت في نهب ثروات هذا البلد العربي، وكانت شريكتها قطر مموّلة لكل الأنشطة الإرهابية، وانخدعت دول عربية أخرى بأكذوبة الربيع العربي، فساندتهما قبل أن تتفطن إلى حجم المؤامرة التي يقودها المحور التركي- القطري. أما في المثال المصري، فإن أنقرة كانت تتدخل تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي المصري، وحرّضت إعلامياً على الجيش المصري وقياداته. وكان أردوغان يرفع شعار رابعة في إشارة إلى تأييده للإخوان المسلمين في مصر، ووصف ما حدث بأنه انقلاب على الشرعية. وهذا طبيعي في تركيا حليفة «إسرائيل» التي لا تريد أن تكون هناك دولة عربية قوية تنافسها في المنطقة، فهي تستبيح الأراضي العراقية يومياً، وتحشد قواتها وتقود عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية، وتستقبل الفيالق الإرهابية التي تلجأ إليها بعد أن يتم طردها من طرف الجيش السوري. وهي لا ترغب في أن يكون الجيش المصري، هو الجيش الأقوى في المنطقة. كما أنها لعبت دوراً رئيسياً في دعم الميليشيات المسلحة في ليبيا التي نشرت الفوضى والرعب في قلوب الليبيين البسطاء والأبرياء. سلاح وسلع مقابل النفط الليبي، ودعم للميليشيات، التي تعتبر أنقرة ملجأها الآمن عند وقت الشدة. وهكذا يكتمل المشهد التخريبي الذي تقوده كل من أنقرة والدوحة.
الدول التي قاطعت قطر عليها اتخاذ خطوة مماثلة تجاه أنقرة، وكشف كل الأوراق والملفات التي تكشف ما تحيكه الأخيرة ضد الدول العربية.
العرب لا يمكن لهم أن يسترجعوا قوتهم إلا إذا عملوا بجدية على وقف الحرب السورية من أجل بدء عملية إعادة الإعمار وإنهاء المأساة. والعرب لن يستعيدوا قوتهم، إذا لم ينجحوا في إعادة العراق إلى الحاضنة العربية، وإذا لم يعملوا على حماية مصر من مؤامرات المحور القطري- التركي. في السياسة ليس هناك عدوّ دائم أو صديق دائم، ولكن هناك أخوة عربية يجب أن تكون هي الحاضرة دائماً.
التعليقات