صفوق الشمري

أعتقد أن الرؤية يتقدمها قائد طموح، ذو بُعد نظر إستراتيجي، لا يكلّ، ويعرف الطريق إلى هدفه، ممثلا في ولي العهد، ولديها فريق من المسؤولين الحكوميين الذين يملكون الخبرة.

حال السعوديين مع رؤية 2030 مثل مقولة كارنيجي «أنا مصمم على بلوغ الهدف، فإما أن أنجح.. وإما أن أنجح». لكن يجب ألا ينسوا أن واحدا من أهم عوامل النجاح هو الفشل، فالنجاح بمجمله هو أن تمر بفشل وراء فشل، دون أن تفقد حماستك، كما تقول الحكمة.

وهذا ينقلنا إلى سؤال مهم: من يقيّم النجاح والفشل؟ هل نحن الذين داخل الرؤية أم الآخرون في الخارج بسبب حيادهم النسبي؟، وقد يقول قائل إن الرؤية تعتمد على معايير رقمية ومؤشرات عددية، وكما يقول المثل الإنجليزي: الأرقام لا تكذب أبدا، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأمور الحياتية من الصعب دائما قياسها بشكل عددي.

لكن دعونا ننظر إلى الموضوع من زاوية إلى حد ما محايدة وأساسية، وهي كيف ينظر العالم من حولنا إلى رؤية 2030؟، فهو أمر جوهري لنجاح الرؤية، فهي بطبيعتها تعتمد على العولمة والعالمية في كثير من نقاطها المهمة، سواء الاستثمار العالمي أو الشراكات الدولية أو جلب الاستثمارات، والشركات العالمية لبلدنا.

هناك نقطتان حيويتان يركز فيهما المستثمر أو صاحب القرار الأجنبي في تقييمه للرؤية أو الاستثمار، وهذا ليس سرا، فغالب من نقابلهم من مسؤولين أو مستثمرين أجانب، يتحدثون عن عاملين: أولهما، الاستقرار والأمان على المدى الطويل، والعامل الثاني: الإدارة. 

بالنسبة للعامل الأول، وهو استقرار الرؤية على المدى الطويل، فإنه تحقق بوجود مؤسس الرؤية ومهندسها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في ولاية العهد، مما يضمن استمرارية الرؤية، وأنها أصبحت خيارا إستراتيجيا للدولة لا حياد عنه، وأتوقع بل أجزم أن الاستثمارات الأجنبية ستتدفق بقوة خلال الفترة القادمة، لأن كثيرا من الصناديق الاستثمارية العالمية كانت تسأل بتفصيل عن نقطة الاستقرار على المدى الطويل ومستقبل أمان الرؤية.

أما العامل الثاني، هو الإدارة، ومؤهلات فريق الرؤية خصوصا المخططين والتنفيذيين منهم، وكي يكتمل أي عمل تحتاج فريقا مؤهل تأهيلا يليق بحجم العمل، فما بالك بحجم الرؤية! 

هناك انتقادات كثيرة نسمعها من الداخل والخارج، ومن مختصين لفريق تنفيذ الرؤية من ناحية الأداء والمؤهلات والخبرة، عادة يكون جوابنا، إن هناك فريق عمل جديدا، وتغيير الدماء مطلوب بل ضروري، لبث الحيوية في العمل البيروقراطي الحكومي، والدماء الجديدة تعدّ ميزة أكثر من عيب ومع مرور الوقت، فإن الزمن كفيل بعمل فلترة للفريق والبقاء للأفضل، أو ربما لم ينسج شبكة علاقات أكثر!.

لكن هناك شيء حيوي أساسي لن تكتمل الرؤية دونه، ألا وهو ما يسمى رجل الدولة! ويكون عضيدا لقائد الرؤية، فقد اعتمدت الرؤية على كثير من رجالات القطاع الخاص، وهذا شيء جيد، لأن كثيرا من رجالات القطاع الحكومي مصابون بمرض التحجر البيروقراطي، وهو مرض لا يرجى برؤه، لكن في المقابل فإن كثيرا من رجالات القطاع الخاص، تعودوا أن يحسبوا الأمور بمقياس الربح والخسارة، وثرموستات الرأي الشعبي ليس حساسا لديهم بما فيه الكفاية، وإدارة الدول تختلف عن إدارة الشركات، وهنا يأتي دور رجل الدولة كنقطة توازن بين الكفاءة وبعد النظرأ وأيضا الإحساس بالرأي الشعبي والمزاج العام.

رجل الدولة له مواصفات خاصة تختلف عن بقية السياسيين والمسؤولين، فمواصفاته القيادية متعددة، مثل التميز، ويحظى بالاحترام من قطاع عريض ممن يعرفونه، وله «كاريزما» وقدرة على الإقناع بوجهة نظره وتجميع الآخرين حولها، لكن ما يميزه حقا عن البقية هو أن لديه 3 صفات رئيسية:

 1 - الكود الأخلاقي أو كود المبادئ لديه عالٍ جدا، فلديه بوصلة أخلاقية لما هو صح أو خطأ سياسيا وشعبيا، وهذه البوصلة لا تتأثر بالمحيط، وبغض النظر هل مبادئه متفق عليها أم لا، لكنه ملتزم كليا ومتشبث بها. 

 2 - له رؤية مختلفة، أو ما يسمى العين الجديدة، فله القدرة على رؤية الأمور من زاوية مختلفة، ربما تختلف عن كل فريق العمل، ولهذه النظرة بُعد إستراتيجي وشمولي مقنع، وقد تغطي نظرته الزوايا التي لا يراها الغالبية، إما استكمالا أو معاكسة، فهو ليس مجرد سمكة مع التيار. 

3 - يملك صفات القيادة الحكيمة، وهنا نعني بالقيادة الحكيمة بتعريفها الشمولي المفصل في علم الإدارة والقيادة، وليس بمعناه الحرفي، فمثلا من حيث التأثير على المحيط وفريق العمل، وكيفية مخاطبة القائد واختيار الوقت والطريقة المناسبة لذلك، فقدر رجل الدولة أن يكون مختلف وهذا قد يعني في كثير من الأحيان مخالفة الأغلبية أو التيار السائد، فمهارات القيادة الحكيمة تجعله نقطة اتزان في الفريق، ويكون كمن يمشي على طرف خيط رفيع من التوازنات، لكن لا يخشى أن يطرح رأيه بكل صراحة إذا احتاج الموقف ذلك دون التأثر بالملامة، وفي الوقت نفسه قد يبني تحالفات في الفريق لكن لا تكون على حساب استقلاليته أو حياديته. وهو ينطبق عليه مقولة هوجو «لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء».

مرّ على العالم رجال دولة مميزون تاريخيا وحديثا، وربما من أشهرهم حاليا، هنري كسنجر، فمنذ عدة عقود وإلى يومنا الحالي، لا يوجد رئيس أميركي يدخل البيت الأبيض إلا ويطلب المشورة من هنري كسنجر، أو يطلب من كسنجر مهمة معينة، وكان آخرها قبل أيام. 

وفي السعودية مرّ علينا رجال دولة مثل الدكتور غازي القصيبي، والشيخ عبدالعزيز التويجري «رحمهم الله»، فلم يكونوا مسؤولين أو وزراء، بل كانوا أكبر من ذلك بكثير، وكمثال آخر عربيا، كان عمر سليمان في مصر. 

أعتقد أن الرؤية يتقدمها قائد طموح، ذو بعد نظر إستراتيجي، لا يكلّ، ويعرف الطريق إلى هدفه، ممثلا في ولي العهد، ولديها فريق من المسؤولين الحكوميين الذين يملكون الخبرة، ولديها فريق آخر من المسؤولين في القطاع الخاص فيهم مرونة وكفاءة، لكن تحتاج رجلا أو رجال دولة، الذي يحدث التوازن بين الفريق ككل، ويكون عضيدا للقائد، فالقرار الأول والأخير سيكون للقائد، لكن يحتاج سماع الرأي الآخر حتى لا يكون كل الفريق من لون واحد، وكما هو معروف فإن فرق العمل -مهما اختلفت عناصرها- فإنه مع الوقت سيطغى عليها اللون الواحد، وما يعرف بالتيار السائد! مما يحجب مستقبلا ما يسمى الرؤية الإبداعية، ولكن ربما تبقى الرؤية الإبداعية في وجود رجل الدولة المحايد!.