أمين ساعاتي
المتابع للتطورات التي يعيشها المجتمع السعودي، وبالذات في العقدين الأخيرين يلاحظ أن شقة الاختلاف في الرأي بين الناس بدأت تتزايد وتتسع إلى درجة أن البعض لم يخف قلقه من اتساع رقعة الاختلاف في المجتمع ما يؤثر سلبا في الهوية الواحدة والخطاب الواحد.
هنا أنا أقف في الصف المختلف مع هذا الرأي، بل أرى أن زيادة شقة الخلاف في الرأي تطور طبيعي للزيادة في عدد السكان، والزيادة في المعارف والثقافات التي دخلت على المجتمع السعودي في العقدين الأخيرين مثله مثل أي مجتمع يعيش في عصر تكنولوجيا المعلومات ومجتمع المعارف والاتصالات والقرية الكونية. هنا أود أن أذكر القارئ الكريم أنه حينما كان المجتمع السعودي ثلاثة ملايين نسمة في مستهل عام 1970 وكانت معارفه تقليدية ومحدودة.. كانت مساحة الاختلاف في الرأي بين أفراد المجتمع بسيطة في حجم وبساطة عدد السكان وحجم المعارف، أما حينما يصل عدد السكان إلى نحو 30 مليون نسمة "وفقا لإحصاءات غير رسمية صدرت في عام 2015"، ويدخل عصر جديد اسمه عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإننا يجب أن نتوقع أن مساحة الاختلاف في الآراء بين أفراد المجتمع سوف تتسع لتعبر عن الاختلاف في الحجم والثقافات والمساحة التي بات يشغلها المجتمع السعودي محليا وأيضا دوليا. بداية يجب أن نسلم أن الاختلاف في الرأي طبيعة كونية في أي مجتمع وفي أي مكان من العالم، والله سبحانه وتعالى يقول: "وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم". الاختلاف في الرأي من الظواهر التي ليست وقفا على المجتمع السعودي فحسب، بل هي قوانين في المجتمعات الإنسانية كلها، ومن البدهيات التي يجب أن نسلم بها، ونحن نرجو من مجتمعنا السعودي أن يسلم بها ويعقل الاختلاف بين ما هو محافظ، وما هو ليبرالي، بين ما هو شعبي وما هو عصري، بين ما هو بسيط وما هو معقد. البعض مع الأسف يهول المسألة ويشير إلى أن الاختلاف في الرأي نذير انفصام في المجتمع، وهذا غير صحيح، فالتعددية إطار للتعايش والتفاعل والتسامح والعيش دون صراع أو إقصاء، ولذلك فإن التعددية طريق إلى تحقيق التقدم ونشر العدالة الاجتماعية وتحقيق سعادة كل الأطياف في المجتمع الواحد. هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الخارجي، فإن الحسبة معقدة، لأن الخلاف في الرأي يتسع ويتعارض. إن وجود الاختلافات في الآراء ما بين الأشخاص هو أمر طبيعي، إذ إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، إلا أن المشكلة تكمن في عدم تقبل هذا الاختلاف، والتعصب إلى الرأي الفردي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدهور العلاقات بين بني البشر، وزرع الكره والحقد في قلوبهم، وقد تتطور لتتحول إلى أعمال عنيفة وغير قانونية من الصعب حلها. إن ثقافة الرأي والرأي الآخر تعني أن يقوم الإنسان باحترام أي فكرة مخالفة لفكرته الأساسية، والاستماع إليها بشكلٍ كامل، ومن ثم مناقشتها بكل موضوعية وحياد، في جو من الهدوء ورحابة الصدر، دون التحيز إلى رأيه الشخصي، وفرضه بالقوة على الطرف الآخر، وفي ذلك رحمة للأمم وتيسير لأمورها، ومن خلالها يتطور الإنسان، ويرقى نحو الأفضل. تنتشر ظاهرة التعصب وعدم احترام الرأي الآخر بشكلٍ خاص في دول الوطن العربي، وذلك يعود إلى عديد من الأسباب، نذكر منها التمسك بالأعراف والعادات القديمة القبلية، هذا إضافة إلى هيمنة الأنظمة الأحادية وسيطرتها على الحكم وغيرها. ومن خلال البرامج المتنوعة تتلقى القيادات الدينية في المجتمعات المحلية التدريب على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة حملات التطرف والكراهية وتكريس قيم الاعتدال والتسامح على شبكة الإنترنت. فمنذ عام 2015، تم تدريب أكثر من 300 من القيادات الدينية الشابة والمحاورين المحترفين على الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمساحة وميدان للحوار. وقد تم نشر دليل إرشادي حول الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي كمساحة للحوار. كما تم تأسيس فريق عمل مكون من 60 مدربا قادرا على المضي قدما في التدريب على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة واحترام التنوع وتعزيز التعايش. وتعد منطقة العالم العربي واحدة من أكثر المناطق تنوعا في العالم التي عاشت لمئات السنين بأمن وسلام. لكن في السنوات الخمس الماضية برزت منظمات وأفراد تستغل وتسيء استخدام الدين بغرض تبرير أعمال العنف والإرهاب. إن هذا العنف الذي يرتكب باسم الدين يهدد القيم الدينية السامية ووحدة النسيج الاجتماعي والعلاقات بين المجتمعات والطوائف الدينية المختلفة. إضافة إلى ذلك فإن تلك الأعمال تمثل خطرا على نسيج المجتمع المتنوع، حيث واجهت بعض الفئات الدينية التهجير والاضطهاد بسبب انتمائها الديني.
التعليقات