خالد أحمد الطراح

تتعالى، للأسف، الأصوات باسم الشعب والإصلاح بشأن ما أثير أخيرا عن عدد الوافدين، بعضها موضوعي، والبعض الآخر عاطفي، والثالث شعوبي، من دون أن يتم تحديد المتسبب في كل ما حصل ويحصل اليوم!
أولاً بالنسبة لقضية المعلمين الوافدين، وما يتردد عن مقاضاة دولية للكويت، وبالرغم من تفنيد بعض المحامين الأفاضل لهذا الشق، فلابد من بحث مضمون عقود العمل، التي تبرمها الحكومة، وتحديد حجم الثغرات القانونية فيها، التي بموجبها تم صدور أحكام قضائية كويتية لمصلحة بعض من رفع قضايا، بخصوص بدل السكن، قبل توجيه أي لوم على الوافدين، فلولا الثغرات ما حسمت المحاكم النزاع ضد وزارة التربية، أي الحكومة، وهنا لابد من تحديد المتسبب في صياغة عقود على أسس غير سليمة قانونيا، وتفادي مستقبلا أي فرص يمكن لها أن تكبد الخزانة العامة أموالا لا طائل لها!
هذه القضية ليست الأولى التي تخسرها الحكومة، فالعديد من قضايا المال، وفي مجالات مختلفة، سببها الأساسي وزراء وكبار المسؤولين، لم نقرأ حتى خبرا واحدا عن صدور قرارات، وليس أحكاما، بإعفائهم من مناصبهم، كنوع من المحاسبة السياسية، بينما مسلسل زرع الألغام في أرحام العقود مستمر!
أما بالنسبة لميزان سوق العمل، خصوصا في القطاع الحكومي، فالوافدون لا يتقدمون للوظائف بمحض إرادتهم، وإنما بمساعدة ومباركة مسؤولين في الأجهزة الحكومية، لذا نجد، وخصوصا في الوزارات الخدمية، عددا مهولا من الوافدين، حتى من تعدت أعمارهم سن العمل والتقاعد، ويتم استثناؤهم في التجديد لهم!
لماذا يتم التجديد لتلك الفئة العمرية بالذات، خصوصا من يعمل منهم في المجال الهندسي والقانوني؟ الإجابة بسهولة ليست بسبب الحاجة المهنية بقدر الحاجة الخاصة للبعض في الاعتماد على وافدين، لتمرير رغبات قد تكون غير قانونية، والتنفع منها، أو كسب الولاءات مقابل استثناءات وإنجاز معاملات ليس عبر الأنظمة وإنما بالقفز عليها!
علاوة على ذلك، فقد انتشرت أخيرا في عدد كبير من الجهات، التي تمولها الميزانية العامة، عقود مع شركات، لتوفير سكرتارية وطباعين وموظفين إداريين، إلى جانب التعاقد بطرق ملتوية بمبالغ خيالية مع ما يسمى بالتخصصات النادرة، بينما الواقع من خلال بيانات مخرجات التعليم وسوق العمل ككل، يبرهن على وجود تخصصات «نادرة» كويتية المنشأ والجنسية!
هل المشكلة في الوافد، الذي يقبل العمل بعقد سخي في بلد لا يحتكم للأنظمة في التعيين والتعاقد؟ أم أن المشكلة في المتسبب وهو المسؤول الكويتي بمستوى وزير؟!
طبعا المنطق يقول إن السبب الأساسي هو الإدارة الحكومية، التي لم تستطع فرض قانون أو نظام على أي من أجهزتها ومؤسساتها. وأسوق هنا مثالا على ذلك عدد المستشارين القانونيين تحديدا في الجهات، التي تغذيها خزانة الدولة، وقيمة العقود والمدد بمسميات مبتدعة!
قبل عام 2012 تفجرت عاصفة نيابية على عقود مع شركة تابعة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، بسبب عقود فاقت الملايين من الدنانير حول كويت 2035، والإصلاح الاقتصادي، ولم يحاسب أحد على ذلك، ليس بسبب عدم وجود نواب أقوياء على المحاسبة، ولكن ربما بسبب وجود لوبي حكومي متخصص في الدفاع عن تلك العقود!
ماذا استفادت الدولة من دراسات بلير؟ لا شيء يذكر إلى اليوم، بينما ملايين من المال العام ذهبت من دون حساب ومساءلة قانونية أو سياسية!
بالنسبة لبعض المعلمين الوافدين، هل بدل السكن في العقود جاء متساويا بين الجنسين؟
هذا تساؤل واحد، أتمنى أن تتقصاها الإدارة الحكومية، وتحدد المتسبب في ذلك، وتحرك دعاوى ضد مصادر العنصرية!
* * *
خالص التعازي لرئيس وأسرة وكالة الأنباء الكويتية بوفاة الزميل المخلص حسني إمام، رئيس مكتب «كونا» في لندن سابقا.