محمد صلاح 

بينما كان العالم يتابع من مصر أمس وقائع مؤتمر الأزهر لنصرة القدس، كان آخرون يملأون الدنيا ضجيجاً بـ «صفقة القرن» التي لا يمكن تناول القصص والروايات والفبركات التي تحاك حولها من دون الرجوع إلى هزيمة الإخوان، والمستوى المزري الذي وصلت إليه الجماعة،

وحال الإحباط التي ضربت حلفاءها واليأس الذي أصاب جهات خططت ورتّبت وأنفقت وحلمت بالإخوان على رأس السلطة في دول عربية عدة، ثم وجدت التنظيم يعاني الشتات والسمعة السيئة! نعم، أصيب الإخوان بصدمة بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة وإطاحة محمد مرسي من المقعد الرئاسي وما تبعها من تداعيات أفضت إلى تصدع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي تسرطن عبر سنوات في مجتمعات عربية وإسلامية وغربية، وضربت الصدمة أيضاً دولاً لها أطماع إقليمية كتركيا، وأخرى رتبت نفسها لتلعب أدواراً تفوق حجمها وتأثيرها الحقيقي كقطر التي ساعدت نظام الإخوان وساهمت عبر منصات إعلامية تملكها وتنفق عليها في تمهيد التربة لمناخ أتاح للإخوان الصعود إلى قمة السلطة في مصر، إضافة إلى حكومات وجهات ووسائل إعلام غربية ظلت على مدى سنوات تتبنى نظرية تتعلق بشرق أوسط جديد يحكمه الإخوان لاعتقادها بأن الجماعة «سلمية» ولديها قنوات وخيوط تربطها بجماعات إرهابية متأسلمة، كالقاعدة وداعش، وقدرة على كبح جماح تلك الجماعات الإرهابية واستيعابها واحتضانها وبالتالي السيطرة على ظاهرة الإرهاب! كل ذلك يفسر سلوك تلك الجهات لنحو خمس سنوات ظلت خلالها تحارب وبمنتهى الضراوة الحكم في مصر، وكل دولة أخرى لم تمانع إطاحة الإخوان عن مقاعد السلطة، وكذلك يفسر مواقف فريق يضم شخصيات أميركية وغربية ومؤسسات ومراكز بحثية ومنظمات حقوقية ووسائل إعلام هناك عند تعاطيها مع كل حدث له علاقة بالدول الأربع التي أعلنت مقاطعتها لقطر لاعتراضها على دعم الدوحة للإرهاب. فموقف الدول الأربع يخالف ما تمناه ذلك الفريق وبين عناصره من يحصلون على مكافآت وحوافز مقابل جهودهم في الإبقاء على الأكاذيب منتشرة! على ذلك لا يمكن الوثوق، عند الحديث عن «صفقة القرن»، في كلام فريق ظل يكذب على مدى سنوات ويفبرك مهما كان الحدث ويطمس الحقيقة حتى لو كانت ساطعة وينشر الإحباط بين الناس ويسرق منهم كل فرحة ويمنع عنهم كل ابتسامة ويهيل «التراب» على كل إنجاز.

بالفعل ظهر تعبير «صفقة القرن» للمرة الأولى على لسان الرئيس المصري عند حديثه إلى نظيره الأميركي أثناء زيارة السيسي واشنطن في نيسان (أبريل) من العام الماضي عندما قال نصاً: «ستجدني داعماً لأي مساعٍ لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع حلها»، فرد ترامب: «سنفعل ذلك سوياً وستمتد صداقتنا طويلاً وسنحارب الإرهاب سوياً». مفهوم من الحوار أن السيسي يعتبر حل القضية الفلسطينية صفقة القرن، وهو لم يتحدث عن تنازل مصر عن أراضيها أو منح مساحة من سيناء إلى الفلسطينيين مقابل كيلومترات في صحراء النقب.

اشتغلت وسائل إعلام إسرائيلية على الموضوع وروجت لأحلام قديمة كثيراً ما طُرحت ولم تلق من القاهرة إلا رفضاً بل وسخرية، وكلما سعت مصر إلى تحقيق المصالحة للفلسطينيين وجمع الفرقاء الفلسطينيين على طاولة حوار سعى الإسرائيليون إلى ضرب تلك المجهودات بمساعدة لجان إلكترونية إخوانجية ومحطات تلفزيونية تركية ومنصات إعلامية قطرية بحثاً عن سند جديد للإساءة إلى السيسي وتحريض المصريين ضده! كعادته لم يرد الرجل مباشرة على طوفان الفبركات والروايات القطرية والأفلام الإخوانجية وجهود الترويج التركية، لكنه شدد مراراً على أن مصر لا تتنازل عن أراضيها ولا تبادلها مع أي دولة أخرى ولا تهدر دماء شهدائها، لكن كلاماً كهذا، تماماً مثل مؤتمر الأزهر لنصرة القدس، لا يظهر بالطبع لدى الإخوانجية وحلفائهم وهم الذين زعموا أن السيسي يعمل على تسليم سيناء خالية للإسرائيليين، وحين وجدوا مشاريع عملاقة وأموالاً طائلة تنفق لتعمير شبه الجزيرة وتغيير وجه الحياة لأهلها عادوا ليبهرونا بذكائهم فادعوا أن السيسي يُعمرها ليمنحها للإسرائيليين عامرة! هم أنفسهم الشامتون مع كل حادثة إرهاب فيتهمون السيسي بالتقصير، وإذا أمسكت السلطات بالجناة يكون الاتهام بحصار المعارضة، وإذا اختفى الإرهابيون من منازلهم وانضموا إلى داعش في سورية أو ليبيا أو سيناء جاء الاتهام بالإخفاء القسري، هم أيضاً الذين لم يذكروا حرفاً عن مؤتمر دولي يرعاه السيسي وينظمه الأزهر لنصرة القدس، لكنهم ينسجون أفلاماً وروايات ومسلسلات عن صفقة القرن المزعومة!