علي سعد الموسى

قال فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني إنه طلق السياسة بالثلاث، وإن مهمته الأساسية اليوم هي تفسير الآية وتبليغ الحديث، وعلى مشارف الستين من العمر ربما نضجت بشيخنا التجربة وبالطبع استوعب الدرس. تسمح العلاقة الشخصية ما بيننا الاثنين أن أذكّر أبا عبدالله بأن عصر الخطب الذهبية النارية ذات زمن في مسجد أبي بكر الصديق بأبها لم يعد بأكثر من ذاكرة وذكرى في الأرشيف. كل الذي تغير مع تقادم الوقت ليس إلا الجمهور ووعي المتلقي الجمعي. 


اليوم يجب أن نعترف أن شيئا كثيرا من الخطاب الديني أساء تسويق السياسة. لا يمكن للنوستالجيا ولا للأماني والحنين وحدها أن تسرق حاضر الناس اليوم بتسويق بريق الخليفة ومصطلح الخلافة. ولو أننا، وبالخيال، استنسخنا واستحضرنا عدل عمر بن عبدالعزيز وميل أبي جعفر المنصور للعلم ثم وضعناهما الاثنين اليوم في مجلس رئاسي لما حازا على شيء من النجاح في دهاليز السياسة المعاصرة. يجب أن نعترف أن شكل الدولة اليوم أعقد بكثير من الأنموذج البراق لمفاهيم الخليفة.
مشكلة الخطاب الديني مع تسويق السياسة أنه يدغدغ عقول الدهماء بنماذج الماضي وقصص بطون التراث دون أن يرسم لأجيال اليوم شكل الواقع وصورة المستقبل. 
تربى هذا الخطاب على مفاهيم الحاكمية لأبي الأعلى المودودي وسيد قطب لكنها سرعان ما انهارت تحت آلاف من جيوش النقد وإعادة القراءة. 
الوحيدان في هذا العصر اللذان استطاعا بناء دولة دينية بمفاهيم حداثية معاصرة هما عبدالعزيز بن سعود ومهاتير محمد، والاثنان، وكما أجزم لم يقرآ سطرا واحدا من نظريات كتب الحاكمية.
سأذكّر فضيلة الشيخ بزيارة عبدالرسول سياف وكيف احتشد الآلاف له في هذه المدينة، وإلى ذات المسجد، ثم سأطرح السؤال: ماذا لو عاد اليوم إلينا زائرا وماذا سيحدث؟ بكل تأكيد، لا شيء لأن وعي الناس أدرك أن لا شيء لديه سوى إرث الطلبانية وربيبتها (البنلادنية). ولا يقل أحد إن هذه (الحاكمية) لم تعط الفرصة. هي أعطيت أكثر من تمرين وتجربة، وكل ما حصل أن الجمهور نفسه هو من طلّق الاستماع إلى السياسة عبر هذا التسويق.