عبدالله السعدون

ميزة هذه الوثيقة أنها تتعامل مع جذور التطرف والإرهاب وتبين تأثيراته الآنية والمستقبلية، وتعمل على إيجاد واقع عربي جديد يواجه تحديات الحاضر ويحمي الأجيال القادمة..

في كل مرة تقع عملية إرهابية في أي منطقة من العالم يضع المسلم يده على قلبه ويدعو الله ألا يكون الفاعل مسلماً، فمنذ قيام القاعدة وما تفرع منها من تنظيمات كداعش والمسلمون يتصدرون نشرات الأخبار في معظم العمليات الإرهابية سواء كفاعلين أو ضحايا. واليوم لا يخلو بلد عربي من آثار التطرف والإرهاب وهو ما دعا البرلمان العربي في اجتماعه الثالث قبل أيام وبحضور رؤساء البرلمانات والمجالس العربية إلى إصدار مشروع وثيقة عربية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب ستعرض فيما بعد على مؤتمر القمة الذي سيعقد في الرياض الشهر القادم.

ميزة هذه الوثيقة أنها تتعامل مع جذور التطرف والإرهاب وتبين تأثيراته الآنية والمستقبلية، وتعمل على إيجاد واقع عربي جديد يواجه تحديات الحاضر ويحمي الأجيال القادمة من خلال تضافر جهود الدول العربية على المستوى الشعبي والحكومات، والبحث عن جذور المشكلة والتعامل معها في أبعادها التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والسياسية إضافة إلى التعامل معها أمنياً.

وللوثيقة أهداف كثيرة من أهمها توحيد جهود الدول العربية ضد كل أشكال الإرهاب والعمل على اجتثاثه من جذوره، وهذا يتطلب عمًاَ جماعياً فهو داء ينتقل من بلد عربي لآخر خصوصاً مع توفر وسائل التقنية والأطماع الخارجية. ومن أهداف الوثيقة التصدي لكل أنواع الطائفية والمذهبية وتحديد الدول التي تروج للمذهبية ووضع حد لتجاوزاتها، مع العمل على نشر التسامح وثقافة الحوار البناء بين مختلف الدول والأديان وتعزيز هذه القيم بكل الوسائل التربوية والتعليمية الإعلامية.

ومن أهداف الوثيقة إنهاء الخلافات العربية - العربية عن طريق التفاوض وتقريب وجهات النظر مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتكامل، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية في كل دولة.

ومن أهم أهدافها دعم العمل العربي المشترك لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والقرصنة والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات بين الدول العربية وهذه الأنشطة تستخدم لتمويل الإرهاب من قبل المنظمات والدول الراعية له.

مكافحة التطرف والإرهاب تواجهها تحديات كثيرة من أهمها ما يقوم به العدو الإسرائيلي من أعمال تثير الرأي العام العربي والإسلامي وتواجد أعذار تستخدمها المنظمات الإرهابية ذريعة لتجنيد المزيد من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، إضافة إلى تطور التقنية والتي سهلت وسائل الاتصال بين المجموعات الإرهابية، ولا ننسى التدخل الإيراني وإذكائه للطائفية والمذهبية. وقد تركزت أهم تدابير المكافحة على المحاور الآتية:

أولاً. العمل على إنهاء الخلافات العربية - العربية وتصفية الأجواء من الاحتقان وإيجاد الحلول التوافقية للأزمات الموجودة بما يفوت الفرصة على المنظمات الإرهابية والدول الراعية لها، ومن المهم إيقاف الحملات الإعلامية التي تعمق الخلاف، والبحث بدلاً من ذلك عن قواسم مشتركة وتغليب الحوار والتوافق وصولاً إلى حلول ترضي جميع الأطراف المتنازعة.

ثانياً. الفقر هو الحاضن لكثير من أمراض المجتمع ومن خلاله تنشط المنظمات الإرهابية في بث سمومها، ولا سبيل للقضاء عليه إلا بالنهوض بالاقتصاد وتحقيق العيش الكريم من خلال وجود تكامل بين الدول العربية وإزالة العوائق التي تحول دون زيادة التبادل التجاري مع التركيز على التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد الإداري والمالي والوساطة والمحسوبية التي تولد مشاعر الاحتقان وتهدر الموارد، وجعل الاقتصاد بنداً دائماً في أعمال القمم العربية، ومساعدة الدول الأقل نمواً وإنجاز مشروعات عربية مشتركة تبنى على الربح للطرفين حتى يستمر التعاون، مع التركيز على تقليل نسب البطالة التي تعد من أهم أسباب الفقر.

ثالثاً. العمل على نشر ثقافة الوسطية والاعتدال وبث روح التسامح ونبذ التطرف والعنف، ويعد التعليم ركيزة أساسية لتحصين المجتمعات العربية من آفة التطرف والإرهاب، وضرورة سرعة الانتقال من التلقين إلى مساعدة النشء على التفكير الناقد والتحليل وزرع القيم الروحية والأخلاقية وهذا يتطلب مراجعة المناهج في كافة المراحل التعليمية بصفة مستمرة والتأكد من خلوها من كل مظاهر الكره والإقصاء والتعصب والغلو والتطرف والعنف والتكفير وكل ما يؤجج الطائفية داخل المجتمع، ومن المهم حسن اختيار المعلمين وحسن تدريبهم ومتابعة سلوكهم وإبعاد كل من قد يجنح إلى الفكر المتطرف، مع التركيز على مواءمة مخرجات مؤسسات التعليم لاحتياجات سوق العمل.

البرلمان العربي أصبح منبراً لصوت المواطن العربي ورغم عمره القصير إلا أنه أثبت أنه من أهم أذرع الجامعة العربية لخدمة المواطن العربي وتحقيق طموحاته في العيش الكريم.