أكمل عبد الحكيم

يشير مصطلح «جيل الألفية» (Millennials) إلى أفراد المجتمع الذين ولدوا خلال الفترة الممتدة من 1980 وحتى 2000، وأحياناً ما يطلق أيضاً مصطلح «جيل واي» (Generation Y) على مواليد هذه الفترة، والتي في الحقيقة ليست فترة محددة بدقة. وعلى رغم أن صفات أفراد هذا الجيل تتباين بناء على الدول والمناطق التي يعيشون فيها، وعلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي نشأوا بها، فإنهم يتميزون جميعهم بالدراية الواسعة، وبالاستخدام المكثف، لتقنيات الاتصالات الحديثة، وباقي وسائل التواصل الرقمية.

وفي معظم مناطق العالم تقريباً، تميزت تنشئة هذا الجيل بمقاربة ليبرالية في الأمور السياسية والجوانب الاقتصادية، وهي البيئة الثقافية العامة التي لا زالت تبعاتها وتأثيراتها محل جدل بين المتخصصين، وإن كان من المتفق عليه أن سنوات الركود الممتدة من 2007 إلى 2013 تركت بصمة عميقة على أفراد جيل الألفية، نتيجة ترافقها بمعدلات بطالة مرتفعة جداً بين الشباب، وهو ما دفع الكثيرين للتنظير والتخمين بأن هذه الفترة ستتسبب حتماً في أضرار اقتصادية واجتماعية عميقة التأثير لأفراد الجيل على المدى الطويل.

وبعيداً عن الصفات والمميزات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأفراد جيل الألفية، يتمتع أيضاً هذا الجيل بصفات صحية خاصة، منها كون أفراده أكبر حجماً، وأثقل وزناً من الأجيال السابقة، وربما عبر تاريخ الأجيال البشرية جميعها. هذه الحقيقة أكدها مؤخراً مسح صحي أجري في بريطانيا، وأظهر أنه بناء على الاتجاهات السكانية، سيصاب أكثر من سبعين بالمئة من أفراد جيل الألفية، بزيادة الوزن أو بالسمنة المفرطة، مع بلوغهم منتصف العمر. هذه النسبة أعلى بكثير من نسبة الجيل الآخر المعروف بجيل «فرط المواليد» (Baby Boomer)، وهو الجيل الذي ولد مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تبلغ نسبة زيادة الوزن والسمنة المفرطة بين أفراد ذلك الجيل أقل من النصف بقليل.

ويخشى العلماء والمتخصصون أن تصبح زيادة الوزن السمنة المفرطة أمراً معتاداً ومقبولاً في الثقافة العامة، بل ربما الوضع الطبيعي، ولدرجة ألا يعي المصابون بتبعات وضعهم الصحي. كما أنهم سيصبحون عاجزين حتى عن إدراك حقيقة أن أطفالهم زائدي الوزن، يعانون من مشكلة صحية من الأساس. وتشير الدراسات والإحصاءات أن ما بين عامي 1980 و2013، ارتفعت معدلات الإصابة بزيادة والوزن وبالسمنة بمقدار 50 في المئة، ولدرجة أن عشرة في المئة حالياً من جميع أطفال العالم زائدو الوزن أو مصابين بالسمنة بشكل مفرط، وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية عام 2014 لإنشاء مفوضية عليا لمواجهة ما أصبح يطلق عليه وباء السمنة بين أطفال العالم.

حيث يقدر حالياً وجود ما بين 40 إلى 50 مليون طفل مصابين بزيادة الوزن والسمنة، مع استمرار هذه الأرقام في الزيادة عاماً بعد عام. فمنذ عام 1980 مثلاً، تضاعف عدد الأطفال زائدي الوزن في دول أميركا الشمالية الثلاث؛ الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك. ورغم أن معدلات انتشار السمنة بين الأطفال في الولايات المتحدة قد ثبتت لحد كبير، فإنها لا تزال مرتفعة بشكل واضح، حيث يقدر أن 33 في المئة من الأطفال بين سن السادسة والحادية عشرة مصابين بزيادة الوزن، وحتى الأطفال بين سن السادسة والتاسعة مصاب 18 في المئة منهم بالسمنة.

ومن بين الأمراض الخطيرة والعلل المزمنة التي تترافق مع زيادة الوزن والسمنة المفرطة، لا زال الكثيرون لا يدركون قوة العلاقة بين السمنة وبين احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. فبناء على تعقيب إحدى الهيئات الخيرية البريطانية العاملة في مجال الأمراض السرطانية (Cancer Research UK)، والتي قامت بتحليل بيانات أوازن أفراد جيل الألفية، واستخلاص النتائج السابقة الذكر منها، ترتبط زيادة الوزن بزيادة احتمالات الإصابة بثلاثة عشر نوعاً من الأمراض السرطانية، بما في ذلك سرطان الثدي، والأمعاء، والكليتين. ويفسر العلماء هذه العلاقة على أنها نتيجة كون الأنسجة والخلايا الدهنية، والتي تشكل المستودع الرئيسي للدهون في الجسم، ترسل إشارات بيولوجية في شكل هرمونات، وتتعاظم هذه الرسائل البيولوجية بالترافق مع زيادة حجم الخلايا الدهنية في حالات زيادة الوزن والسمنة، وهو ما يتسبب بدوره في ضرر بالغ لباقي خلايا وأنسجة الجسم. وبمرور الوقت، واستمرار زيادة الوزن والسمنة لسنوات، وعقود أحياناً، يتراكم هذا الضرر ليؤدي لتحول الخلايا الطبيعية لخلايا سرطانية، تماماً كما يحدث مع المدخنين الذين يتسبب تدخينهم لسنوات وعقود في وقوع ضرر على خلايا الرئتين يدفعها باتجاه التحول إلى خلايا سرطانية.