خالد العضاض

الثقافة حراكًا وفعلًا، للفرد وللمجتمع، ما وجدت إلا لتكون همًا وقلقًا معرفيًا ووجوديًا، تثير الفعل وردات الأفعال، وتثير السؤالات

الحديث حول الثقافة يتسم في كثير من معانيه بالعمومية، نظرًا لتعدد تعريفات الثقافة واختلاف أنماطها وصورها ومعانيها، فهناك العشرات بل المئات من التعريفات للثقافة، ولهذا ذهب الناقد رايموند وليامز صاحب الكتاب الهام في هذا الصدد (الثقافة والمجتمع) إلى أن: «كلمة الثقافة هي إحدى الكلمات الأكثر تعقيداً في اللغة الإنجليزية، لأنها تحمل الكثير من المعاني التي تتغير كثيراً مع مرور الزمن»، إذ يوجد ما يزيد على 164 تعريفًا للثقافة، كل تعريف منها يصف مفهومًا معينًا من الأفكار والمعتقدات والقيم الراسخة في وجدان الأفراد، كما يصف الطريقة الكلية لحياة الجماعة التي ينتمون إليها، وهذا يتضح جليًا حينما تشمل بعض التعريفات والمعاني المتعددة للثقافة منجزات بشرية إبداعية كسيمفونيات بتهوفن، أو مسرحيات شكسبير، وقد تشمل كذلك القيم العليا للفرد أو المجتمع كثقافة الديمقراطية، أو ثقافة الحرية أو ثقافة الحب، وقد تشمل الثقافة أيضاً الأعمال اليومية وسلوكيات الأفراد وتصرفاتهم ومشاعرهم التي يتعلمونها في مجتمعاتهم منذ الصغر، وللناقد والفيلسوف البلغاري تزيفتان تودورف كلام نفيس حول مفهوم الثقافة في مسار من مسارات تعريف الثقافة، إذ يصف الثقافة بأنها: «مجموع خصائص الحياة الاجتماعية، وطرق العيش وتفكير الجماعيَّين، وأشكال وأساليب تنظيم الوقت والفراغ، متضمنًا اللغة، والدين، والبُنى الأسرية، وطرق بناء المنازل، والأدوات، وطرق تناول الطعام وارتداء الملابس، بالإضافة إلى أن أعضاء الجماعة، مهما كانت أبعادهم، فإنهم يستبطنون هذه السمات في شكل تمثيلات، فالثقافة إذًا توجد على مستويين مترابطين بشكل وثيق: مستوى الممارسة الخاصة بجماعة ما، ومستوى الصورة التي تتركها هذه الممارسات في أذهان أعضاء تلك الجماعة».

ومن بين المفاهيم الحديثة للثقافة يبرز المفهوم الذي توصل إليه الباحثان ديفيد إنجليز وجون هيوسون في كتابهما: مدخل إلى سوسيولوجيا الثقافة، والذي ترجمته لما نصر، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت عام 2013، إذ تضمّن مفهوم الثقافة التالي: 

الثقافة العليا، والفن والحضارة. تهذيب النفس. المنتجات الثقافية كالأفلام القصيرة والأفلام الطويلة. الحياة الكلية لمجموعة معينة من الأفراد. ومن ثم فإن كلمة الثقافة تشير في الوقت ذاته، إلى الثقافة العليا، والثقافة الشعبية، وإلى أفكار الأفراد في مجتمع معين وقيمهم، وكذلك قدرات الفرد الشخصية.
وعودة على عنوان المقالة، والذي يحمل في باطنه سؤالا مخيفا حدَ الفزع، ماذا لو كانت ثقافة السعوديين ترفًا؟
أيُّ سؤال يَطرح إشكالية ثقافية يُخاتل خطأً منهجيًا منضويًا تحت تعريف الثقافة المؤسس لسؤال هذا المحور، والذي هو واحد من عشرات التعاريف غير المنضبطة للثقافة، والتي يرى بعض كبار المثقفين أنه لا يوجد للثقافة بعد تعريف جامع مانع، وهذا ما قد يطال السؤال المؤسس لهذا الجدل الصيب النافع هنا.
أو كما يشير (ت.س.إليوت) إلى أن: أن مشكلة الثقافة أنها تستخدم في غالب الأحيان دون العناية ببحثها.
الثقافة يستحيل أن تكون ترفًا في حياة الشعوب، فالثقافة هي ما يحيا به المجتمع وينمو ويستمر، ولا يوجد مجتمع مهما كان بدائيًا لاتنتظم عاداته وتقاليده وفلكلوره وحكاياته ثقافة معينة.
وتقاس ثقافة المجتمعات عادة بعدد المسارح والمعارض والمتاحف والندوات والمحاضرات وحركة النشر، وفي مجتمع لا يتوفر فيه العدد الكافي من هذه الوسائل الناشرة للثقافة، وتمارس فيه العملية الثقافية كأدوات ومنتج وحراك بشكل متأخر عن المجتمعات الأخرى القريبة والبعيدة، يصعب أن تصل فيه الثقافة حد الترف، لأن هذا يعني باختصار أن الثقافة في هذا المجتمع ما زالت تقاتل لتصل إلى مكانتها المفترضة وهذا بطبيعة الحال همٌّ كبير. 
أما ثقافة الأفراد لدينا والمؤسسة لشيء من ثقافة الشعب والمجتمع، فلربما صنفت بعض الممارسات المتماسة مع الفعل الثقافي على أنها ترفًا بحسبان تداولية الكتاب والمطبوعة بين أيدي بعض العوام، لتصويره مع فنجان قهوة أو على ضوء شمعة، أو حتى لو تطور الأمر ليصل إلى مرحلة إنتاج رواية أو ديوان، فهذا لا أعده فعلًا ثقافيًا في حينه على الأقل، وربما حُسب لاحقًا كمقياس أو معيار على أنه أثر أو انعكاس لحراك ثقافي معين في عصر معين، لكن في حينه لا يعد ثقافة، بل ولا أجرؤ حتى على إيصاله إلى مستوى الثقافة المترفة – إن وجدت-.
الثقافة حراكًا وفعلًا، للفرد وللمجتمع، ما وجدت إلا لتكون همًا وقلقًا معرفيًا ووجوديًا، تثير الفعل وردات الأفعال، وتثير السؤالات وقد تعثر على الجواب أو لا تستطيع، وهذا ما يزيد الهم همومًا.
أخيرًا، الثقافة خلقت لتكون همًا.