فضيلة الفاروق
يعتقد البعض أن فتح سوق للفن شيء سهل يمكن أن تتكفل به الدولة، فتنفتح الأبواب أمام الفنان الذي يعمل في الظل، حيث يكون مختبئاً بعيداً عن الأضواء، مختلياً فيه مع إلهامه وعبقريته في إنتاج التحفة التي تزين بشاعة الخارج، فيما هذا الاعتقاد في الغالب يكون خالياً تماماً من أية استراتيجية ذكية لإنجاح أي تظاهرة فنية لتسويق النتاج الفني، فالفن غير محكوم بقرار سياسي، لا في خنقه ولا في إطلاقه، وهذا موضوع آخر يمكننا أن نتوسع فيه في مقام آخر.
يذهب البعض الآخر إلى أن شعوبنا ميؤوس منها ومن الأفضل إبقاء الباب مغلقاً في وجهها، وهذا قتل عمدي للفنان أيضاً.
أمّا البعض المتبقي فيصرُّ على أن هذا الجمهور الذي نعمم عليه أحكامنا إنّما متنوع، ومن الإجحاف أن نظلم فيه الجيد منه.
فالفن المتعدد الأنواع يسهل إيجاد جمهور له، ويسهل خلق مزيد من الجمهور له لو أن الجهود تكاثفت لتعمل على ذلك.
ما أسميه في الحقيقة أجنحة الكيان الفني، هو تلك المحركات التي تدفع بالفن نحو آفاق أفضل، فتتسع فضاءاته، وتكبر أعمدته، وشيئاً فشيئاً يصبح واجهة لوطن بأكمله.
الأوطان المفرغة من فنون أبنائها أوطان قاتلة، تذبح الأوردة التي تسري فيها الحياة، ليستحيل أبناؤها إلى جثث تغادر قبورها نهاراً وتسكن إليها ليلاً، في كرنفال مرعب شبيه بالمشاهد التي يعمد إليها صناع أفلام الرعب لكسر قلوب مشاهديهم.
ما جدوى الحدائق إن كانت خالية من الأزهار والأطيار والفراشات؟
وما جدوى بيوت تدخلها فتنتابك قشعريرة الموت؟ بحيطان مكتئبة، وفرْشٍ يرتدي الحداد، وأناس يشبهون الأشباح في تجهمهم وعيونهم الخالية من كل إشارات الحياة؟
إن وجود فنان أياً كانت نوعية فنه إنّما هو هبة ربانية لأهله، ورعايته لا تقل أهمية عن رعاية العقول وأصحابها، فالفن هو ما يجعل طعم الحياة لذيذاً، وهو الذي يمنح الإنسان الشعور بالامتلاء الذاتي والامتنان المرتبط بشكر الخالق على روعة الحياة.
الفن هو ما يهدئ النفس ويعيدها إلى خالقها في صلاة خاشعة، وهو دواء ذلك التعنيف الذاتي الذي يبدأ من الفرد وينتشر كالوباء ليطال أكبر فئة ممكنة من البشر.
هل من حل؟ بالطبع فالحل في أدمغتنا دائماً، لكن تحديداً في أدمغة المبدعين، إذ يستحيل على الموظف العادي أن يحل محله، أمّا عن خلق آلية للتسويق فتقوم دوماً على تاجر وإعلامي شغوفين بالفن، فلا شيء يحلق بالفن إلى الفضاءات التي تسحقه غير هذا الشغف إن لم يُقمع بطريقة ما.
التعليقات