هاني الظاهري
على غرار المسلسل السوري «باب الحارة» الذي يتناول قصصا اجتماعية من حقبة زمنية قديمة في سوريا، يقدم النجم السعودي ناصر القصبي ورفاقه مسلسلاً رمضانيا جميلاً على قناة mbc تحت عنوان «العاصوف»، وهو عبارة عن دراما تجسد بدون تكلف بعض الحكايات الاجتماعية من حقبة السبعينات الميلادية في العاصمة الرياض، وهذا أمر جيد وطبيعي، لكن الغريب أن المسلسل الذي لم يقدم حتى الآن إبهاراً في الإخراج أو الحوار أو حتى الموسيقى التصويرية تحول إلى ميدان للصراع في الصحف وشبكات التواصل بين أطراف متعددة لاعتبارات عقيمة لا علاقة لها بالنقد الفني أو حتى التاريخي.
الصحويون والمتأثرون بالتيار الصحوي الذين خسروا معركتهم في الأوساط السعودية وباتوا يشعرون بأنهم منبوذون وبلا صوت أو قضية، لديهم موقف مسبق من الفنان ناصر القصبي وكل ما يقدم، ولذلك شنعوا على العمل حتى قبل عرضه واعتبروه قضيتهم وميدان صراع جديد لمناكفة خصومهم القدماء، بل واتهموه بأنه يشوه «طهرانية» المجتمع وما إلى ذلك من «خطرفات» معروفة كانوا يرددونها منذ أيام عرض المسلسل الكوميدي الشهير طاش ما طاش تأثراً بوهم «المؤامرة» وتحت راية محاربة التغريب وما إلى ذلك من سذاجات طوى المجتمع السعودي صفحتها وتجاوزها في ظل التغيرات الاجتماعية الكبرى والحراك السريع نحو رؤية 2030م.
والحقيقة أن هؤلاء نجحوا في استدراج بعض المثقفين والإعلاميين ومشاهير شبكات التواصل إلى ميدان المعركة الوهمية، فانطلقت التغريدات والمقالات التي تمجد المسلسل وتدافع عنه وتجعله عملاً عظيماً وتاريخياً رغم بساطته وعاديته، وقد يكون ذلك مبررا إذا أخذنا في الاعتبار الخوف من عودة الصوت الصحوي للارتفاع وتزييف الوعي العام، لكن في رأيي الشخصي القضية بمجملها لا تستحق أن تتحول إلى ميدان صراع، بل إن قيام جبهة دفاعية عن العمل بهذا الشكل أمر يخدم فلول الصحوة ويمنحها تأثيراً لا تستحقه.
ربما لو عُرض مسلسل العاصوف قبل 10 سنوات من اليوم لكان فتحاً في الدراما السعودية بسبب ضيق الفضاء العام آنذاك وسيطرة الصوت المتشدد على مفاصل المجتمع وعلو الصوت التحريضي ضد الفنون بشكل عام، لكنه يأتي اليوم بعد فوات الأوان، وأعتقد شخصيا أن هناك جانبا تضليليا مارسته حملة التسويق لـ«العاصوف» عندما أعلنت أنه يصور حقبة مهمة من حياة السعوديين بشكل غير مسبوق، وحاولت إظهاره كعمل يؤرخ للتحولات الاجتماعية المفصلية في السعودية، فهي بذلك ظلمت المسلسل وحمّلته أكثر مما يحتمل، وجعلت سقف طموح المشاهد أعلى مما يقدمه المسلسل فعلياً، وهذا درس مهم للمهتمين بالتسويق لأنه يجسد معنى الحملات التسويقية السلبية التي يأتي ضررها أكبر من نفعها، وهو ينطبق أيضا على الحملة التسويقية التي سبقت إطلاق القناة السعودية الجديدة sbc بعنوان «غصب» وتسببت في خذلان المشاهد السعودي بعد صدمته بالمواد العادية التي تقدمها القناة.
التعليقات