عبدالله بن بخيت
يتداول الناس في السوشل ميديا مقطع فيديو لسيارة أحرقها شقي احتجاجاً على قيادة المرأة السيارة. أتمنى أن تكون المسألة مجرد إشاعة، وإذا كانت صحيحة فهي حادث عرضي معزول لا يمثل سوى إنسان من مخلفات الأولاد الصغار الذين كانوا ينقضون على أجهزة التلفزيون في بيوت أهلهم ويحطمونها أمام آبائهم وأمهاتهم ومن مخلفات الأولاد الذين يصوبون بنادق الساكتون على الدشوش في سطوح المنازل وغيرهم من المبرمجين الصغار في زمن لن يعود أبداً.
قد يكون هذا الرجل واحداً من هؤلاء وأغلب الظن واحد من أبنائهم، ثمة فكر كرس الإحساس بالمسؤولية عن الآخرين. لم يعد الإنسان يرى نفسه مسؤولاً عن نفسه أو عن أسرته الصغيرة بل مسؤولاً عن العالم، كان الشباب يدربون على تحمل المسؤولية الجماعية، تم ربط هذا الفكر بالدين حتى كاد أن يكون جزءاً منه، صار إحدى القيم التي تربط الشاب بجماعة محددة التوجهات، حزب غير معلن كان يعد منتسبيه للعمل في اليوم الموعود، هذا النوع من الاعتداء يبدو بريئاً، لا شك أن هؤلاء الشباب أبرياء يعملون ضمن فكر قدم لهم في صورة دينية لسهولة تمرير القيم السياسية عليهم وعلى المجتمع، دفعنا ثمن هذه البراءة في النهاية بظهور الإرهاب والمنظمات الدينية السياسية.
لا أظن أن حرق سيارة المرأة يتضمن بعداً سياسياً، لقد تقوض البعد السياسي ولكن البعد الفكري والاجتماعي المسوغ له من الصعب اقتلاعه. هذا الشاب ما زال وفياً للفكرة، انتزاعه منها سيعني بالنسبة له خروجاً من الدين، لكي نتفادى مثل هذه الحوادث غير المنظمة وغير المعد لها لن يكفي العقاب، أن تعد لهم برامج إعادة برمجة يقدمها لهم الدعاة الذين برمجوهم، عمل يشبه المناصحة التي تقدم للإرهابيين طالما أن الفكر واحد، هذا الفكر ترسخ في عقول الناس على مدى عقود. البركان يهدئ ويعتاده الناس ولكن قد ينفجر في أي لحظة كما أن لهذا الفكر تبعات غير عنيفة ولكنها ضارة، يصبح أصحابه معارضة للتقدم والتنمية في ملابس الناصحين وأصحاب الرأي، يشوشون على الأعمال الاستراتيجية المتعارضة مع فكرهم، تستطيع تتبعهم من خلال آرائهم في نقد هيئة الترفيه وفي ميزانية الرياضة ويعمدون دائماً إلى ربط احتياجات الناس بمواقف سياسية كالمساعدات التي تقدمها الدولة للدول المحتاجة. ليس من الصعب تمييزهم عن الآخرين ولكن من الصعب جمعهم ومناصحتهم، بخلاف العنيفين منهم. شؤون المرأة أفضل ميدان يمكن أن نتقصى فيه فكرهم وتوجهاتهم ونتعرف عليهم وإذا كان من الصعب ملاحقتهم فعلى الأقل أن يكون جزءاً من الاستراتيجية الإعلامية مناهضة هذا الفكر، أن نضيف إلى محاربة الإرهاب والتطرف محاربة المندسين في ثياب الناصحين.
التعليقات