زكي نسيبة

 لقد منَّ الله تعالى علينا بالعيش في دولة يسودها الاستقرار والتفاؤل والازدهار، إلا أن الظروف الصعبة المحيطة في المنطقة، والطبيعة المتغيرة للعالم، تضع دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة العديد من التحديات. ولا يمكن تجاوز هذه التحديات إلا من خلال المزيد من التعاون والتضامن، لكننا للأسف نعيش زمناً تحل فيه الفرقة والريبة محل التضامن والاحترام المتبادل.

ومن هنا، يتحتم علينا العمل لبناء جسور الثقة والتفاهم مع الدول الأخرى وشعوبها. فسواء كنا نتحدث عن مواجهة التحديات العالمية، كالتغير المناخي، أو التحديات الإقليمية، كالتطرف، أو التحديات المحلية، كتنويع مواردنا الاقتصادية، فإنها جميعها تحديات تستدعي العمل يداً بيد مع المجتمع الدولي.

ومن أجل بناء التعاون الدولي المنشود، علينا أن نمنح الدول الأخرى المزيد من المعلومات حول ثقافتنا وقيمنا الأصيلة، إذ يشكل ذلك قاعدةً متينة لشراكات طويلة الأمد في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية. فمن خلال إيصال ثقافتنا الوطنية وقيمنا العريقة للدول المختلفة، يمكننا منح شعوب المنطقة بصيص أمل يتطلعون إليه، وهو أمر تحتاجه نسبة كبيرة من شبابنا العربي بشدة. فعندما نبين لهم أن فخرنا واعتزازنا بإسلامنا وبموروثنا العربي الأصيل وبثقافتنا القومية، يعكس تقدمنا وتحررنا، نمنحهم بديلًا إيجابياً ينظرون إليه.

ولهذا السبب، يشرفني تلقي أمر سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بتأسيس مكتب خاص بالدبلوماسية الثقافية والعامة ضمن وزارة الخارجية والتعاون الدولي. حيث ستكون مهمتنا الأساسية التعاون الحثيث مع السطات الثقافية، الاتحادية والمحلية، في الدولة، لمساعدة شبكتنا الواسعة من البعثات الدبلوماسية حول العالم، على تحقيق تفهم وانجذاب دولي أكبر نحو ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بينها وبين غيرها من الدول.

والتبادل الثقافي هو أحد الطرق التي يمكننا اتباعها لتحقيق ذلك، سواء أكان من خلال الفنون (الموسيقى والرسم) أو الآداب والعلوم (التأليف والسينما). ولهذا يعد متحف اللوفر -أبوظبي، ومعرض إكسبو 2020 إنجازين في غاية الأهمية، إذ يعبران تعبيراً قوياً عن إنسانيتنا المشتركة. ولهذا أيضاً تتوجب علينا المساهمة في التعريف بفنَّانينا المبدعين وبالقطاع الإبداعي في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر أنحاء العالم. إذ تعد الأعمال الفنية المبدعة وسيلة مهمةً لنقل ثقافتنا وقيمنا، لكونها تخلق عملية تواصل، ثنائية أو متعددة الجوانب بين الشعوب، وتحرك المشاعر الإنسانية المشتركة، وتتجاوز حواجز اللغة.

ولا تعد الفنون الوسيلة الوحيدة لتثقيف الشعوب الأخرى حول قيمنا المشتركة، إذ يمكننا فعل ذلك من خلال دعوة الطلاب الأجانب للدراسة في جامعات الإمارات، وتشجيع الجامعات الأجنبية على دراسة ثقافتنا، وأيضاً من خلال المشاركة في الفعاليات الرياضية العالمية، وعبر ابتكار المزيد من الطرق لإشراك ملايين الأفراد الذين يزورن الدولة سنوياً.

وسأعمل مع زملائي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وخارجها، على المزج ما بين نسيجنا الثقافي الغني وسياستنا الخارجية القوية، والتأكد من قيام سفارات دولة الإمارات العربية المتحدة بكل ما في وسعها لدعم هذه الجهود وتعزيزها.

وإلى ذلك، سنعمل على ابتكار المزيد من السبل لتعريف الشعوب بثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها. فمثلًا، سنأخذ بالحسبان كيفية الإضافة على النموذج الناجح للحوار الثقافي الإماراتي الفرنسي الذي تم هذا العام، بحيث نشرك القادة الشباب من مختلف الدول في عملية التبادل الثقافي، ونعزز ظهور ثقافتنا في العواصم الأجنبية.

كما سنعمل على تطوير «صندوق أدوات»، وسنزود به سفارات الدولة في مختلف بلدان العالم لتنفيذ المبادرات الثقافية، وسنتعاون مع أكاديمية الإمارات الدبلوماسية لتدريب دبلوماسيينا على الدبلوماسية الثقافية والعامة. ولا تقتصر الأولوية في ذلك على الحوار مع القادة السياسيين فحسب، بل مع قادة الرأي العام في مجالات الثقافة والإعلام والتجارة والتعليم والرياضة، بالإضافة إلى الشريحة الأعم من الشعب.

ولا ينبغي أن ينصب تركيزنا على الدول الغربية فحسب، والتي عادة ما تستهدفها استراتيجية كهذه، برغم احتفاظ تلك الدول (مثل الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية) بأهميتها بالنسبة إلينا.. لكن يجب أن تتسع دائرة أولوياتنا لتشمل تمتين جسور التواصل والتفاهم الثقافي فيما بيننا وبين الدول الآسيوية المهمة كالصين والهند.

كما يجب بذل كل ما بوسعنا لتوطيد علاقاتنا مع دول المنطقة، والعمل بشكل وثيق مع حلفائنا وشركائنا الأساسيين في منطقة الخليج العربي خاصة، كالمملكة العربية السعودية، ومد يد العون لدول الجوار الإقليمي كدولة العراق.

وعلى دبلوماسيتنا الثقافية أن تعكس قيم دولة الإمارات العربية المتحدة، المتسامحة والبعيدة عن التطرف والطائفية، مُعزِّزةً علاقة الدولة بالشعوب العربية كافة مهما كانت انتماءاتها الدينية والطائفية.

وبرغم التغير الملموس الذي شهدته الدولة على مدى نصف قرن المنصرم، لم تتخل ثقافتنا عن قيمها المتجذرة الأصيلة: التزامنا بتمكين المرأة، والاستثمار في رفاه المجتمع، ومنح الزوار والوافدين بيئة منفتحة، جاذبة اقتصادياً وغنية ثقافياً، والاستمرار في التقدم والابتكار، والتعاطف مع الأشخاص والجهات الأقل حظاً، والتسامح مع الأديان والثقافات المختلفة، وتأكيد الاحترام المتبادل، وإعلاء شأن الأدب والأخلاق.

إن سكان دولة الإمارات العربية المتحدة يمارسون هذه القيم باستمرار في حياتهم اليومية، سواء كنا نتحدث عن المواطنين أم المقيمين. وهذا ما يسهل عملنا، فما علينا سوى منح دول العالم نافذة تطل من خلالها على هذه الثقافة الراقية، وأن نعزز سبل الحوار حول مجموعة القيم المشتركة. ففي عالم يغلق فيه الكثيرون الأبواب، ستستمر دولة الإمارات العربية المتحدة في تذليل الحواجز، داعمةً مصلحتها الوطنية وشخصيتها القومية.