عبدالله بشارة

 انتهى الفصل التشريعي في دورته البرلمانية الأسبوع الماضي، وكعادته تولى رئيس مجلس الأمة تذكير النواب والرأي العام، داخلياً وخارجياً، بما يجب أن تكون عليه كوادر السياسة، مشيراً إلى حاجة الكويت إلى رجال دولة يقرؤون الوقائع ويدرسون تأثيراتها على الكويت في الداخل وفي مسار دبلوماسيتها، وينسجمون مع هذه الحقائق التي يصفها الرئيس مرزوق الغانم بالخطرة والدقيقة، ويتولى بعده نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، تلاوة بيان الحكومة الاعتيادي، وفيه التأكيد على ضرورات التعاون بين السلطتين، حاملاً في مفرداته حسن النوايا وصدق الأهداف، وانتهت الوداعية بتوديعات حارة بين الأعضاء، ينضم بعضهم إلى برنامج الرحلات البرلمانية الصيفية التي تجمع بين العلاقات العامة وبين الترفيه والاصطياف، وخلا جو الكويت من السخونة البرلمانية، مكتفياً بالحرارة الطبيعية التي لا تقل سخونة عن مفردات النواب.
وأود أن أبدي بعض الملاحظات التي يرددها المواطنون ويعرفها النواب لأنها ظلت بلا علاج:


أولا – لم تنجح التجربة البرلمانية في تفريخ تجمعات سياسية تحترف العمل النيابي على أسس حديثة ببناء قواعد شعبية يتداول فيها النقاش المفتوح، ليس عن أداء النائب فقط، وإنما عن المسار السياسي العام ومدى تواصل توجهات البرلمان مع توقعات الرأي العام وتداول عما قطعه البرلمان في تنفيذ أجندة الاصلاح التي يحملها، والتي تتراكم كل عام، ومن أبرزها إصلاح التركيبة السكانية والبنية الاقتصادية، والمتمثلة على الدولة الرعوية التي تعطي من دون أن تحاسب، وتغدق من منابع النفط من دون اعتبارات لمستقبل الطاقة المتغيرة التي تتحكم فيها اختراعات التكنولوجيا المتجددة التي أثرت على سطوة المنتجين وأضعفت دورهم في المحيط السياسي والاقتصادي العالمي.


وأكبر المتأثرين من التطور التكنولوجي هي دول الخليج التي لم تبدأ حتى الآن في معالجة انحسار الاستثنائية الاستراتيجية التي تملكها والتي أفرزتها ندرة النفط.
كنا في الأمم المتحدة في السبعينيات نطلق عليها «قوة الندرة»، وإذا ما ضعفت هذه القوة فستجد دول الخليج مكانها مختلفاً تماماً عما كانت عليه.
هذا الواقع يشكّل أكبر تهديد للدولة الخليجية، وهو جدير بصدارة القضايا التي تلتقي عندها هواجس الحكومة وهواجس برلمانها.
ثانياً – الموضوع الثاني الذي يشكّل هماً كبيراً لكيان الدولة الكويتية هو توازن القوى الإقليمي، ولا مفر من تغطية الانكشاف عبر اختراع الرادع المؤثر بالتحالفات الاستراتيجية، وهذه التحالفات فيها مزايا وفيها أعباء وأثقال تمس السلوك الدبلوماسي الخارجي، كما تلامس معالجة الحكومة للقضايا الداخلية، مثل الانفتاح وحقوق الإنسان والعمال والمرأة والمعالجة الديموقراطية والتجمعات الأهلية وكيفية التعامل مع الوافدين.
هذه أثقال الحماية الاستراتيجية الملتزمة التي تستدعي لقاءات ومشاورات وتنازلات لم نكن في الماضي راغبين بها، ولكنها الآن جزء لا ينفصل عن المرتكزات الآمنة للدولة الكويتية.
هذه قضايا مصيرية كبيرة لها أولويات في صورة التعاون البرلماني – الحكومي في الوفاء بملتزماتها وتحتاج إلى وعي شعبي لتأمين التوافق العام.
ثالثاً – يردد المسؤولون في الحكومة والبرلمان الكلمات عن الانسجام والتعاون بينهما، ولكن الممارسة تدل على ضعف التعاون وغياب الانسجام، فلم يتوصل الطرفان إلى صيغة التآلف التي لا غنى عنها في تجربة الكويت البرلمانية، فعندما تغيب الأحزاب وتحل المناكفات الفردية محل المعارضة البرلمانية المطلوبة، تكثر استحقاقات الاستجوابات التي يرى فيها النواب الميزة الوحيدة التي يستخرج منها النائب حقه كطرف في هذه المسيرة.
ومع هذه الأعداد المتتالية من الاستجوابات، تولد الشعور العام بالاستخفاف في عملية الاستجواب والانصراف عنها واعتبارها هدراً للوقت وفقدان بوصلة الأولويات.
وما يلفت النظر تقديم استجواب لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك في آخر جلسة، من قبل نائبين في عجلة لحجز مكان مضمون في طابور الاستجوابات القادم.
ويلاحظ الرأي العام الكويتي غياب التحضير الجيد لمادة الاستجوابات، فمعظمها يتم من دون بيان مكتوب وبارتجال ممل ومحشو بالمفردات المقتبسة من اللهجة الكويتية، ومن دون تسلسل في الأفكار ومن دون متابعة من الأغلبية، مع مقاطعات فيها فكاهة أحياناً، أو استهجان في معظم الأحيان.


وهذه مؤشرات لتواجد الضجر داخل القاعة، إما بسبب ضحالة المحتوى أو من خوف مستمر من الحل الدستوري للمجلس، ويأتي هذا الخوف والهلع من ضعف القواعد الشعبية للنواب، فلا توجد دوائر مضمونة لأشخاص رغم تواجدهم القبلي أو الطائفي في بعض الدوائر، وأيضاً من استطعام المزايا التي يقدمها المنبر البرلماني، وهي الاستفادة الشخصية من عادات صارت جزءاً من نهج مؤسسي.
ولاحظنا اعتراض عشرين نائباً على الحساب الختامي للدولة، ولم أقتنع بالمبررات التي قدمها المعترضون، فهم شركاء في المسيرة التي تنجح مع التآلف والتعاضد، وتتعثر بال

واجهات.
رابعاً – تظل تساؤلات المراقبين، داخلياً وخارجياً، عن غياب البرلمان في الإسهام في الجهود التي تبذلها الحكومة ووزاراتها وأجهزتها المختلفة، وضعف البصمات البرلمانية على مخططات التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وهي استفسارات شرعية، لأن الشعور العام غير مقتنع بجدية الإسهام البرلماني، ويلاحظ أن الاهتمامات تتركز على قضايا خاصة لتجمعات معروفة تتابع الجنسيات وإعادتها، تنفيذاً لمنطلقات تعزز منافعها.
تفتقر الحياة السياسية لتجمعات تحترف ملاحقة الهموم الوطنية عبر قنوات فيها جدل عام وتثقيف وتسليط الأضواء على ما يحتاجه البلد وفي جميع المسارات، من حوارات رصينة فيها مسؤولية الكلمة ومصداقية السلوك.
نجد واقعنا بعد ستين عاماً من المسعى البرلماني ما زال بعيداً عن الممارسة الحية التي نحتاجها جميعاً، حكومة وبرلماناً وشعباً، والتي ترسخ الأعمدة للبرلمانية المستدامة.