&ياسر الغسلان

وصل التوتر في منطقة الخليج أخيرا إلى نقطة تبدو فيها كل الأمور ممكنة، على الرغم من تصريحات التهدئة التي تصدر بين الحين والآخر من الأطراف الأكثر تأثيراً في المنطقة، وبالأخص السعودية وإيران، وعلى الرغم من أن التصريحات الإيرانية التي تدعي أنها لا ترغب بمواجهة عسكرية، إلا أن التجاوزات التي قامت بها أخيرا في مياه الخليج دليل على أن هناك تناقضا بين ما تقوله طهران وما تعمل عليه، في وقت تمكنت السعودية وحتى كتابة هذه الأسطر من ضبط النفس وعدم الانجرار في مواجهة للردع المباشر ردا على التحرشات الإيرانية المستمرة، والتي لم تبدأ قبل أيام بل لها امتدادات في التاريخ البعيد والقريب، وما دعم الإيرانيين المتواصل للميليشيات الحوثية إلا بعض من كثير.

منطقة الخليج تعد ربما أهم شريان لعصب الاقتصاد العالمي، والتهديدات التي بدأت طهران منذ مدة تلوح بها تدخل الصراع الإقليمي الذي لا يغيب عن أحد إلى بُعد دولي حقيقي، فالعمل على محاولة إخلال التوازن في تدفق النفط عبر قنواته الرئيسة والتخريب الممنهج من عملاء طهران للمراكز الحيوية لإنتاج النفط في السعودية، هو إعلان ضمني بعدم الرغبة في التعاطي الدبلوماسي مع الخلافات الحقيقية الحاصلة بينها وبين الأطراف الإقليمية والدولية، وهو موقف يجعل الأطراف الدولية تضع في عين الاعتبار وبجدية أن التعامل مع النظام الإيراني لا يمكن أن يتم إلا من خلال فرض شيء من القوة والمواجهة التي كانت مغيبة من أطراف أوروبية وأميركية، منذ الاتفاق النووي الذي أثبتت الأيام ما كانت السعودية تقوله من أنه لن يكون وسيلة لإعادة إيران للمجتمع الدولي، بقدر ما سيؤشر لها بأن العالم لم يعد قادراً على مجاراتها، وبالتالي وكأنه بطاقة مرور لها بالتوغل في محاولتها الهيمنة على المنطقة.

الرئيس ترمب قال قبل أيام إنه إذا كانت إيران تريد أن تحارب فستكون هذه نهايتها الرسمية، وهو موقف يجب ألا نفهمه على أنه بالضرورة موقف جاد من حيث إنه سيحول المنطقة إلى بؤرة حرب في حال تجاوزت إيران مرة أخرى، فعلينا أن نقرأ تصريحاته وفق احتمالين اثنين، الأول هو أن تهديده المباشر هذا قد يعني أنه مستعد للذهاب للحرب والمضي قدما باستخدام ترسانته العسكرية التي تتواجد في الخليج العربي، بعد أن سمحت لها السعودية وبعض دول الخليج أن تعيد تمركزها فيها والاعتماد بشكل كبير على التزام الحلفاء عسكريا في المنطقة بإيقاف التنمر الإيراني، أما الاحتمال الثاني فإنه بتهديده يعمل على الضغط السياسي من أجل دفع الإيرانيين للتفاوض خوفا من حقيقة أنه رئيس يعرف نفسه بأنه يرى باعتباره رئيسا لا يمكن التوقع بما يقوم به، أو كما وصفه إيرانيون في استطلاع قامت به وكالة «أسوشيتيد برس» أخيرا بأنه «غريب الأطوار لا يمكن الوثوق به»، ولنتذكر المواجهات السياسية العسكرية في بداية عهد ترمب، والتي أوضحت أن فلسفته في حل الأزمات السياسية الشائكة تتلخص في فلسفة مفادها «اشتدي أزمة تنفرجي — بصباحٍ حرٍّ منبلجِ»، فالمواجهة بين أميركا وكوريا الشمالية وصلت لأعلى مستويات التوتر العسكري والإعلامي، إلا أنه وبقدرة قادر تحول كل ذلك وبشكل مفاجئ لاجتماعات وتفاوضات وغزل متبادل بين ترمب وكيم جونغ أون ما زال مستمراً.

في الداخل الأميركي ينظر المتشككون لحالة التوتر في الخليج كما أوضحها تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، ويرون أن طهران وواشنطن ربما أساءتا قراءة بعضهما البعض، فاعتقد القادة الإيرانيون أن الولايات المتحدة ستضربهم، لذلك أعدت إيران ضربة مضادة، ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» فإن المسؤولين الأميركيين بالمقابل شعروا بالقلق بعد مشاهدة صور الصواريخ الإيرانية على قوارب صغيرة في الخليج العربي، كما أن رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الديمقراطي «آدم شيف» لم ينفي أن التقارير الاستخباراتية حول ما يحدث تعد مقلقة، لكنه حذر في الوقت ذاته من الاستجابة للخطر المحتمل بسرعة ودون تخطيط جيد.

يجد الرأي العام الأميركي اليوم نفسه في حالة ضبابية وقريبة من حالة حرب العراق المتمثلة بشح المعلومات من أجل تقييم الواقع وما يحدث، وهو ارتباك يتعلق بتهديدات غير محددة الملامح، الأمر الذي يذكر المراقبين كثيرا بالحالة غير المريحة التي عاشتها أميركا في التحضير لحرب العراق، مع فارق مهم للغاية، وهو أن أميركا تعيش اليوم مع رئيس يقول إنه لا يريد حربا، إضافة لحقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون منقسمون حاليا حول مدى خطورة التهديد المحتمل في الشرق الأوسط.

ترمب في تقديري ينتظر تجاوزا عسكريا إيرانيا مباشرا على السفن الأميركية أو على الحلفاء في الخليج ليرد رده الرادع ليفهم الإيرانيين أنه لا يلعب وأنه جاد في إخضاعهم وتحجيمهم، بحيث يعيدهم لوضعهم الطبيعي، إلا أنه من أجل أن تتحول هذه المواجهة لحرب شاملة لا بد له من أن يجد الدعم الكافي داخليا، وخصوصا في الكونجرس، وهو الدعم الذي ما زال لا يملكه حتى الآن، إلا أن دفع إيران للعناد والتحجر في مواقفها قد يجعلها تتصور أن ما يقوم به ترمب مجرد تلاعب دبلوماسي فقط من أجل تحسين شروطه التفاوضية في ملف الاتفاق النووي، وهو ما قد يدفع طهران لارتكاب حماقة باللعب بذيل الأسد وفق وصف سابق للرئيس الإيراني، وهذه الحماقة هي تماما ما يسعى له ترمب كما يرى البعض من أجل أن يكون ذلك بحد ذاته المبرر المطلوب لتوحيد الصف الداخلي الأميركي والدولي بما في ذلك الأوروبي، ودعمه في إعلان حرب شاملة تضع نهاية للخطر الإيراني في المنطقة والعالم.