&يحيى الأمير

كان مشروع العام 2011 كارثيا إلى المستوى الذي لا يمكن تخيله، صار لزاما على دول الاستقرار في المنطقة لكي تحتفظ على كياناتها وأمنها وأمنها الإقليمي أن تصنع شيئا وأن تتجاوز مرحلة الوقار السياسي المثالي إلى التأثير المباشر والفعال ضمن حدود الواقعية السياسية التي تمثل الدولة الوطنية بالنسبة لها الضمانة الأولى للاستقرار وبناء الكيانات المدنية المعتدلة.

كانت المعركة وكان الاستحقاق على محاور عدة من أبرزها مصر والبحرين واليمن؛ مصر بصفتها العمق الاستراتيجي التاريخي الدولي الذي يمثل استقراره ضمانة للمنطقة منذ ثورة العام 1952، مع كل ما شهدته التجربة من ظروف وتحولات، وكانت الانتكاسة الكبرى التي حدثت لمصر تمثلت في نتائج مشروع العام 2011 وما أسفر عنه من وصول كيان سياسي ديني حزبي لا يؤمن بالدولة الوطنية إلى سدة الحكم في مصر. تخلصت المنطقة بدعم دول الاستقرار وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية من ذلك الكابوس السريع في الجزء الأهم من المنطقة.

البحرين بصفتها البلد المجاور والجزء الأصيل من التركيبة الخليجية والاستراتيجية للسعودية وللإمارات والمنطقة كانت محط استهداف محوري في تلك المعادلة لكن دول الاستقرار أيضا حملت على عاتقها حماية هذا الشقيق وهذا الحليف حماية للمنطقة وللإقليم وحفاظا ودعما لتجربة وطنية عريقة.

المحور الثالث للاستهداف وهو أيضا المحور الثالث لعمل دول الاستقرار كان اليمن بكل أبعاده الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة.

تتعمق الأزمة في كل بلد حين يكون أحد الأطراف الكبار في الداخل متورطا في زاوية من زوايا المعركة وله أهداف تتحاور الدولة إلى المذهب أو المصلحة أو الفساد، حدث هذا في اليمن حين تورطت الرئاسة السابقة في تحالف خطير مع ميليشيا أنصار الله وأصبحت المعركة بين أكثر من طرف وتعمقت الأزمة رغم المساعي السياسية لتطويقها وكانت المبادرة الخليجية أهم تلك المساعي لكن المصلحة والأيديولوجيا واستمرار التدخل والتوجيه الإيراني والسعي نحو تحويل اليمن لمنطلق الاستهداف الأهم للمملكة وللمنطقة بل وللعالم كان واقعا لا يمكن معه إلا التدخل العسكري للحفاظ على الدولة الوطنية والدفاع عنها واستعادة الشرعية من يد الميليشيا الإيرانية.

جاءت عاصفة الحزم وإعادة الأمل لتمثل مشروعا متكاملا تضافرت فيه الجهود العسكرية الحربية والجهود الإنسانية الإغاثية إضافة إلى جهود إعادة الإعمار.

لا يمكن وصف عاصفة الحزم سوى معركة الضرورة؛ لليمن وللخليج وللمنطقة وللعالم، والضرورة الفعلية لحماية كيان من الفشل وانهيار الدولة الوطنية وهذه الانهيارات لا تتوقف آثارها داخل حدود الدولة ولكن لهبها يستمر في الانتشار في كل الإقليم.

كانت الرياض وأبوظبي طيلة أبرز دول الاستقرار في المنطقة وأنضج تجارب الدولة الوطنية، وفي لحظة من التاريخ أصبحتا عرضة لتهديد حقيقي استوجب عملا حقيقيا ومواجهة فعلية لدرء كل تلك الأخطار وتوجيه القاطرة المنحرفة في المنطقة. ولو لم تنطلق عاصفة الحزم لكان الواقع اليوم في المنطقة أسوأ بكثير مما يمكن تخيله خاصة مع التعقيدات الكبرى القائمة أصلا في الداخل اليمني والتي مثلت جابنا من أسباب الأزمة وسببا من أسباب استمرارها إلى اليوم. ويمكن اعتبار الأحداث التي شهدتها عدن أسوأ ما شهدته فصول تلك المعركة العادلة التي يخوضها اليمنيون والتحالف من أجل استعادة الدولة والشرعية، المجلس الانتقالي وقوات الحزام الأمني وغيرها من التشكيلات السياسية والأمنية في اليمن كلها والشرعية والتحالف واليمن والمستقبل كلها تحمل هدفا واحدا هو استعادة الدولة من الميليشيا، وبما أن كل الحروب تنطلق لأهداف مرحلية محددة يشترك الجميع في تحقيقها فإن أي تحول عن الأهداف المرحلية الكبرى إلى أهداف جديدة يمثل اختراقا عمليا للمشروع ولأهدافه ومستقبله.

بنك الأهداف الذي انطلق من أجل المعركة يصبح كل يوم أقرب لتصفير أهدافه واستعادة الدولة لكن ما حدث في عدن أربك المشروع وكاد أن يخرجه من حالة الحرب العادلة إلى فتنة تسهم في تقوية الخصم الميليشياوي الإيراني.

القضية ليست في المعنى المثالي الحالم لكلمة الوحدة والحفاظ عليها ولا خوفا من الانفصال؛ القضية تكمن في المرحلة وفي فهم واستيعاب الأولويات والإيمان بالهدف الرئيسي الذي بمجرد أن يتحقق فكل الخيارات السياسية قابلة للطرح والنقاش وحتى التنفيذ أيضا.

إن أي رصاص ينطلق من أي فصيل يمني وطني لا يستهدف ميليشيا أنصار الله الإيرانية وخلايا الإرهاب فهو رصاص غير مسؤول قد يحول هذه الحرب العادلة لتصبح فتنة يمنية - يمنية.