&علي القحيص

لعل البعض يتساءل: لماذا دولة الإمارات العربية المتحدة مهتمة كثيراً بترسيخ ثقافة التسامح وتأصيلها والدعوة إليها، في الدولة والمجتمع، والتصرف والسلوك والنظرية والتطبيق.. ومن خلال إنشاء وزارة للتسامح يقودها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، كما يتم تخصيص عام 2019 باعتباره «عام التسامح»؟

وقد سألني البعض خلال مشاركتي مؤخراً في «منتدى الاتحاد» السنوي، الذي أقيمت نسخته الرابعة عشرة في العاصمة أبوظبي تحت عنوان «الأخوة الإنسانية.. رؤية الإمارات لعالم متسامح»، وحضره عدد من المفكرين والمثقفين والكتاب من داخل الدولة وخارجها، سألني البعض عن مدى اهتمام الإمارات بمسألة التسامح، فقلت: لا تستغربوا أبداً، لأن البيئة لها دور فعال ومؤثر في هذه المسألة ذات الصلة، وكذلك دور القيادة بما لها من رؤية نابعة من البيئة وسياقها التاريخي والجغرافي.&

وأوضحت أن المدن الآمنة والمستقرة والمسالمة، خصوصاً المدن الخليجية التي تقام على الشواطئ الدافئة، هي أقرب إلى التسامح والهدوء والروح الإنسانية المنفتحة، من المدن التي تعيش على اليابسة في الصحراء بعيداً عن الماء؛ لأن الأرض اليابسة بيئة جافة وقاسية، يتأثر بها الإنسان والكائنات الحية. لذلك حتى الكائنات المتوحشة والكاسرة تعيش وتستوطن الصحراء وتأتي من اليابسة، أما مدن الشواطئ فتعيش فيها الكائنات الحية المسالمة والهادئة والمتصالحة مع نفسها ومع غيرها، بعيداً عن العنف والاقتتال والشراسة والقسوة. كما نجد أن الطيور المتوحشة والكاسرة تعيش في الصحراء ولا تعيش في الماء.. وهكذا دواليك بقية مخلوقات الله.

وقبل هذا وبعده، فإن الله وهب لدولة الإمارات العربية المتحدة، قائداً أسس الدولة ووحّد السكان على مبدأ التسامح والرضى والمودة والأخوة الإنسانية والمحبة الشاملة من دون استثناء أو تمييز.. فحوّل الصحراء القاحلة والجافة إلى واحات خضراء وحدائق غنّاء وجزر ومياه وأشجار وورود وأزهار متفتحة على مدى الفصول والأعوام.. وهو ما ينعكس صحياً ونفسياً على حياة البشر وسلوكهم وتصرفهم، ليصبحوا كائنات مرنة متسامحة ومنفتحة، في غاية الهدوء والسكينة والبساطة والأريحية والإيجابية وحب الخير للجميع.

إنها ثقافة الناس والمجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد اكتسبوها من مؤسس الدولة وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي أصبحت بجهوده المباركة ورؤاه النيرة، في مقدمة الدول خلال سنوات قليلة، والذي كان دائماً يكرر قوله: «إذا الله سبحانه يسامح من يخطئ أو يتجاوز بحقه، فما بالك بنا نحن البشر الذين خلقنا الله لا نسامح الآخر؟».

إنها إذن مدرسة الشيخ زايد، وقد ورّثها من بعده لأبنائه وأجيال وشعبه، الذين تعلموا وغرفوا من منهل ثقافته المتسامحة، كما جسدتها هوية وثقافة وفكر وسلوك الإماراتيين، وقد تميزوا بها وأصبحت من سمات طباعهم المتجذرة في آدميتهم المنفتحة والراقية والمتسامحة، فكراً وسلوكاً، رأياً وعملاً.
&

&