محمد كركوتي

"كورونا ستكون لها آثار سلبية في الاقتصاد العالمي، حتى إذا تم احتواؤه سريعا"

كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي

لا تزال البشرية تنتظر منظمة الصحة العالمية، للإعلان عما إذا كان فيروس كورونا أو "كوفيد- 19" سيتحول إلى وباء عالمي أم يبقى محصورا في النطاقات الحالية له، في هذا البلد أو ذاك. كل المؤشرات تدل حتى الآن على إمكانية اعتبار هذا الفيروس وباء عالميا، مشابها للأوبئة التي ضربت الكرة الأرضية في السابق. لماذا؟ لأن الجهات المختصة لا تعرف حتى الآن متى يمكن للعلماء في كل الدول التوصل إلى مصل لهذا الفيروس. فعلى سبيل المثال يرى مات هانكوك؛ وزير الصحة البريطاني أن مثل هذا المصل لن يظهر قبل أشهر من الآن، على الرغم من رصد أموال كبيرة للعثور عليه، وكذلك الأمر في بقية الدول التي أصابها "كورونا" بدرجات متفاوتة. المهم الآن، عند الحكومات الوقاية من هذا الفيروس، وعزل المصابين أو أولئك الذين يشك في إصاباتهم.
حتى نهاية الأسبوع الماضي بلغ عدد المصابين بالفيروس 88 ألفا، بينما وصل عدد الذين قضوا من جرائه إلى 3900 شخص، وصار "كورونا" في 60 دولة على الأقل. كل هذا على صعيد الخسائر البشرية، التي من المرجح أن ترتفع. وعلى الجانب الاقتصادي الأمر ليس أفضل على الإطلاق، لأن الأضرار تمضي قدما في أغلب المجالات، ولم تتمكن الحكومات من حصرها، أو التقليل منها، ولا سيما في ظل تفاقم أزمة الفيروس بصورة يومية في أغلب الأحيان. فالقطاعات الرئيسة تتعرض لخسائر أيضا شبه يومية، وفي مقدمتها الأسواق المالية، التي خسرت في أسبوع واحد أكثر من ستة تريليونات دولار من قيمتها. وهذه الخسائر هي الأكبر منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. فعلى سبيل المثال انخفض مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي في أسبوع واحد 10 في المائة، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤشرات الأخرى في البورصات العالمية الرئيسة.

لكن الأمر لا ينحصر في هذا الميدان الحيوي فقط. فالقطاعات التي تتعرض للأضرار متنوعة، من التصنيع إلى التعدين والسفر والسياحة والترفيه والتكنولوجيا؛ بل حتى المجال العلاجي من الأمراض الأخرى الذي يعد قطاعا مهما في كثير من الدول، تأثر بصورة كبيرة من جراء ضربات "كورونا". صحيح أن الأوبئة التي انتشرت في السابق، تسببت في أضرار مشابهة، إلا أن تلك الناجمة عن "كورونا" هي الأعنف، لسبب واحد فقط، وهو أن الاقتصاد العالمي صار متشابكا بصورة كبيرة للغاية، عما كان عليه في القرن الماضي وبداية القرن الحالي. هذه الخسائر المستمرة بأشكال مختلفة، تطرح الخطر الأكبر على الساحة، وهو إمكانية أن يصل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الركود، وهو الاقتصاد الذي يعاني أصلا نموا بطيئا فيه من المخاطر كثير.
بعض الجهات يتساءل عما إذا كانت الصين ستقود العالم إلى هذا الركود. وإذا ما تم الوصول إلى هذه المرحلة، لا شك أن الصين سيكون لها الدور الأهم في هذا التحول الجديد، لأسباب معروفة وموجودة بوضوح على الساحة المحلية. فعلى سبيل المثال، انخفضت مبيعات السيارات في الصين في الشهر الأول من العام الجاري بنسبة 18.7 في المائة، وبلغ تراجع مبيعات المركبات في الشهر المذكور أكثر من 51 في المائة. وفق اتحاد صناعة السيارات في هذا البلد. والأمر ينطبق على بقية الصناعات، بما فيها تلك المرتبطة بالغذاء. بالطبع تم إغلاق كثير من المصانع في قطاعات مختلفة منذ مطلع العام تقريبا بسبب "كورونا"؛ فضلا عن المصانع والشركات التجارية المرتبطة بالخارج عبر التمويل والتصدير.

بالطبع إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، ولم يتم كبح جماح "كورونا"، ستزيد الاحتمالات باقتراب الاقتصاد العالمي من الركود. فكل المؤسسات الدولية قامت بتغيير توقعاتها لهذا الاقتصاد في العامين الحالي والمقبل على الأقل، بما في ذلك صندوق النقد الدولي الذي قرر أخيرا أن يتوقف عن عقد الاجتماعات المباشرة، والاكتفاء باجتماعات عبر الإنترنت خوفا من "كورونا". المهم الآن وفق كل الجهات الدولية المعنية، تنسيق الجهود على المستوى الدولي، للحد من الآثار المدمرة للفيروس على كل من البشر والاقتصاد، وهذا يتطلب تعاونا لا مثيل له، بين كل الأطراف المعنية مباشرة بالأمر أو تلك التي لا تزال تعد نفسها بعيدة عن هذه المصيبة المتصاعدة.

ليس معروفا بدقة حتى الآن مستوى النمو الاقتصادي في العام الجاري. فقد تم تعديل هذا المستوى مرات عدة في غضون أسابيع قليلة، والأرجح أنه سيخضع للتعديل في الأشهر المتبقية لنهايته. حتى هذه اللحظة، الأثر الاقتصادي الأكبر لـ"كورونا" لا يزال في الصين، لكن مع استمرار انتشاره، ربما انضمت دول أخرى إلى هذا البلد من حيث مستوى الأضرار، خصوصا الدول المحيطة بالصين نفسها التي ترتبط بعلاقات وطيدة ومتشابكة معها. إنها مرحلة دقيقة وحساسة وخطيرة، ولا يوجد بديل عن تعاون دولي بلا حدود، قبل أن تضطر منظمة الصحة العالمية لإعلان "كورونا" وباء عالميا مدمرا.