أندرو غرايس
كان يوماً سيئاً بالنسبة إلى أعضاء مجلس العموم البريطاني من المحافظين الذين يطالبون بإنهاءٍ مبكّرٍ لحالة الإغلاق المفروضة على خلفية انتشار فيروس كورونا، وذلك بسبب تأثيرها السلبي في الاقتصاد. شعروا بخيبة أمل، لأن التفاؤل المليء بالحيوية الذي أبداه بوريس جونسون لدى عودته إلى داونينغ ستريت، لم يكن مصحوباً بضجيج التفاؤل حول تخفيف القيود.
ثم علّق المحافظون بفارغ الصبر آمالهم على وزير المالية ريشي سوناك، الذي أدلى بتصريح في مجلس العموم حول تدابيره الرامية إلى ردم الهوة بين الإغلاق والانتعاش السريع بمجرد رفع القيود.
غير أنه أيضاً لم يحمل أي أخبار سارة للمحافظين. فقد كان وزير المالية على توافق تام مع جونسون، أقله في العلن، حين قال إنّ الوقت ليس مناسباً حالياً لتخفيف القيود، لأن أي موجة ثانية لفيروس كورونا ستكون سيئة على الصحة، بالتالي على الاقتصاد. فقد أوضح سوناك لمجموعة من نواب حزب المحافظين الذين عبّروا عن قلقهم من تأثير الإغلاق أننا "لم نصل إلى ذلك بعد."
لكن في السر، ربما يكون سوناك متعاطفاً أكثر مع المحافظين الذي يتوقون لعودة المملكة المتحدة إلى العمل في أقرب وقت ممكن، وسيكون مستغرباً إذا لم تكن وزارة المالية قلقة من ضربة شديدة للاقتصاد. وسيوجّه الإغلاق إذا استمر لفترة أطول، لكمة أشد إيلاماً للمالية العامة. مع ذلك، لم يقدم وزير المالية سوى الفتات على سبيل المواساة، معلناً أن الحكومة تفكر في المرحلة الثانية من الأزمة، حتى إن كانت لم تبدأ بعد.
في غضون ذلك، أظهر وزير المالية أنه شخص براغماتي يُنصت إلى منتقديه، بإعلانه عن مخطط جديد للقروض لصالح الشركات الصغيرة، التي لم تلقَ اهتماماً كافياً في إطار إجراءاته الحالية. وعلى نحو حاسم، أعلن دعم "القروض المتعثرة" الجديدة التي تصل قيمتها إلى 50000 جنيه استرليني بضمان حكومي بنسبة 100 في المئة، بدلاً من 80 في المئة، كما هي الحال في الخطط السابقة.
كان الإقبال على المخطط السابق، الهادف لضمان أكثر من 20000 قرض بقيمة 3.4 مليار جنيه استرليني، مخيّباً للآمال، إذ ترك عدداً كبيراً من الشركات الصغيرة على حافة الهاوية. واشتكت الشركات من أن النظام الحالي معقّد وبطيء. ووعد سوناك بأن يكون النظام الجديد "بسيطاً وسريعاً وسهلاً". لكنه نفّذ انعطافة في الاتجاه المعاكس تقريباً، بسلاسة ومن دون إثارة الانتباه، حين كشف عن أن برامج القروض الأخرى ستظل تقدم فقط ضماناً بنسبة 80 في المئة.
وكان مخطط سوناك للاحتفاظ بالوظائف أكثر نجاحاً، في الواقع، وربما يكون ناجحاً أكثر ممّا تريده وزارة المالية بكثير، لأنه ربما يكون قد شجّع بعض الشركات على تسريح العمال في وقت كانت ستحتفظ بهم لو لم يكن المخطط متوفراً. وقدمت أكثر من نصف مليون شركة طلبات بقيمة إجمالية تصل إلى 4.5 مليار جنيه إسترليني لتغطية أربعة ملايين وظيفة ويمكن أن تصل التكلفة النهائية إلى حوالى 50 مليار جنيه إسترليني، بما يتجاوز التقديرات الأولية للخزانة.
وتلقّى أنصار "الاقتصاد أولاً" في أوساط المحافظين رداً واقعياً فاتراً، عندما عقد وزير الصحة مات هانكوك مؤتمره الصحافي المسائي في داونينغ ستريت. فقد أعلن هانكوك خطط إعادة توفير بعض الخدمات العلاجية التي تقدمها "خدمة الصحة الوطنية" التي أُجّلت بسبب فيروس كورونا، كتلك المتعلّقة بأمراض السرطان والصحة العقلية. لكنه نبّه إلى أن هذه الخدمات العلاجية ستكون في خطر في حال وقوع ذروة ثانية من حالات كوفيد-19.
إلّا أنّ اللسعة غير المتوقعة للنواب المحافظين المتفرجين جاءت من كريس ويتي، كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، الذي نسف آمال المطالبين بتخفيف القيود على نطاق واسع، مبرراً ذلك بالحاجة إلى كبح انتقال العدوى من مصاب بفيروس كورونا إلى أكثر من شخص واحد. وأوضح أنه "ليس هناك حل مثالي يجعلنا نفعل كل ما يريده الناس". وألمح إلى أنه إذا أُعيد فتح المدارس، فإن ذلك لن يسمح برفع القيود الأخرى، مضيفاً "لا بد من أن يكون هناك بعض الخيارات الصعبة، ومن الواضح أن المدارس ستكون واحدة منها".
ووجّه ويتي أيضاً رسالة مؤلمة إلى جونسون ووزرائه، الذين يقولون مراراً إن قراراتهم "تستند إلى العلم"، حين أعلن أن مستشاري الحكومة سيقدمون "بيانات" حول الإجراءات المحتملة، لكن الوزراء هم من سيختارون التشكيلة النهائية للتدابير التي ستُتخذ فعلاً. لذا لم يترك لجونسون ووزرائه مكاناً للاختباء.
ربما يشعر السياسيون بتشاؤم يدفعهم إلى خفض التوقعات بحدوث تخفيف كبير للقيود عند مناقشة تجديد الإجراءات الحالية في 7 مايو(آيار) المقبل. قد تبدو في ذلك الوقت التغييرات الصغيرة أضخم حجماً وموضع ترحيب أكبر لدى معسكر "الاقتصاد أولاً".
لكن نظراً إلى أنه حتى سوناك لم يقدم سوى القليل من الأمل في تغيير المسار، فيما أكد جونسون أنه لن يضحّي بالمكاسب التي تحقّقت أثناء الإغلاق، من الواضح أن الحكومة، وعلى نحو صائب، ستعطي الأفضلية للأرواح على سبل العيش لفترة أطول.
التعليقات