هناك جهود كبيرة وملحوظة لدى الشعب العراقي للتحرر من النفوذ الإيراني، وهذه الجهود ليست حصراً على أبناء طائفة أو قومية معينة من الشعب، وإن حاول الإعلام الموجه تركيزها على العراقيين السنّة، لجعلها تهمة محصورة فيهم كما فعل نوري المالكي مع دعوات الإصلاح العراقية في عهده، وهذا ما جعل الجهود الداخلية للتحرر من النفوذ الإيراني تخفق في دعوتها السياسية، كما فشلت في مساعيها البرلمانية والحزبية.

من هنا كانت حاجة هذه القوى العراقية الوطنية إلى مساعدات خارجية عربية أو تركية أو عالمية، لكي تصبح جهودها مشروعاً سياسيّاً يساعد العراقيين على بناء دولتهم المعاصرة على أسس ديمقراطية صادقة وعادلة، والحيلولة دون تغول فريق أو طائفة سياسية على أخرى، آخذين بعين الاعتبار أن مساعدة العراقيين على تنظيم شؤونهم السياسية والاقتصادية على أسس ديمقراطية سليمة لن يعود نجاحه على العراقيين فقط، وإنما سيشمل عودة الاستقرار في كل المنطقة، وبالأخص دول الجوار العراقي بما فيها تركيا والمملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج العربي عموماً، كما سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار الأمني في سوريا ولبنان، حيث النفوذ الإيراني فيها يعتمد على تحكمه بالمشهد السياسي والأمني والعسكري في العراق تحديداً.

إن النقطة الأساسية والأولى في مساعدة الدول العربية وتركيا ودول العالم لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، هي مساعدة الشعب العراقي للخروج من أزماته منذ تصدير الثورة الإيرانية للخارج، والنقطة الثانية هي منع النفوذ الإيراني من اتخاذ الأراضي العراقية والسورية واللبنانية للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، سواء لأسباب حماية الأمن القومي العربي والتركي، أو لأسباب اقتصادية تضرهما.

لقد عمل النفوذ الإيراني في العراق على ربط العراق بإيران في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية لدرجة دعت جنرالات وسياسيي نظام الملالي لاعتبار العراق جزءاً من الإمبراطورية الإيرانية، وفرضت على الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 توقيع اتفاقيات ربط مع إيران تلزمها بالعمل كحكومة ولاية عراقية تابعة لطهران وخامنئي، ولكن معظم الشعب العراقي يرفض ذلك ويسعى للتحرر من الهيمنة الإيرانية، وحتى الحشد الشعبي العراقي الذي دعا إلى تأسيسه السيستاني 2014 أصبح من وجهة نظره تابعاً للحرس الثوري الإيراني، وهو ما دفع السيستاني إلى إخراج الفصائل الموالية لمرجعية النجف عن الحشد، بعد فشل الجهود الرامية لانتزاع السيطرة من القادة الذين تدعمهم إيران، وهذا يؤكد تضرره من تحكم إيران بالمشهد الطائفي في العراق أيضاً، وهذا يفتح المجال لقراءة جديدة للمشهد.. بحيث يكون العراق دولة خالية من النفوذ الإيراني.