على عكس ما هو موثق سياسياً وتاريخياً على مدى عقود، منذ بزوغ فجر "الخمينية" في الجارة المسلمة إيران، والتمسك المستميت من ساسة إيران "دستورياً" كما يروّج له، بتصدير الثورة الإيرانية ومرجعية ولاية الفقيه، دخل على خط الدفاع عن هذا الموقف الواهم، أكاديمي بريطاني، مكرراً أو بالأصح مجترًّا ما اعتادت عليه طهران في مزاعمها في المحافل السياسية والإقليمية، بخصوص عداء سني لإيران وطائفية ضد المذهب الشيعي الفارسي، بينما الواقع الذي يعرفه العالم هو النقيض تماماً.

فقد ورد في فصل "المعادة"، في كتاب "ما بعد الشيوخ"، للمؤلف الإنكليزي كريستوفر م. ديفيدسون، ما دفعت وتدفع فيه الماكينة الإعلامية الإيرانية والموالين لها هذه المزاعم والادعاءات السياسية، ضمن كتاب يُفترض أن يأخذ بعداً بحثياً وعلمياً محايداً في الطرح والتحليل، لكن الكتاب بدا واضحاً فيه انحياز مؤلفه للرؤية الخمينية و(فلسفة) الثورة الإيرانية الحالمة، التي حصدت الآلاف من أرواح الشعب الإيراني قبل غيره حتى اليوم.

رمى المؤلف البريطاني بثقله مستنكراً "العداء العربي" لإيران اعتماداً على أخبار صحافية و"برقيات أجنبية مسرّبة"، كما ورد في الكتاب، وليس قرائن ودراسات علمية لخبراء في شؤون المنطقة.

فالأخبار قد تكون مجرد تحقيقات غير مهنية ومفبركة، أو أخباراً منقولة عن مصادر إعلامية منحازة أساساً لإيران ضد دول الخليج العربي. أما "البرقيات"، فقد تكون ذات صلة بظروف سياسية طارئة، لم يعد لها قيمة خبرية ومصداقية.

سياسياً وإعلامياً، من المعروف أن طهران، حتى قبل صدور الكتاب وبعده أيضاً، لم تترك طائفة سنية أو شيعية عربية داخل إيران وخارجها تعيش بعيداً عن النيران الإيرانية العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وخير برهان ما يحصل في سوريا ولبنان والعراق واليمن وصولاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن التهديدات المتواصلة حتى حقبة #كورونا.

الأمر غير المستغرب في كل ما ورد من مزاعم ورأي غير علمي ضمن طيات كتاب "ما بعد الشيوخ" أن أول ترجمة أجنبية للطبعة الإنكليزية للكتاب صدرت باللغة الفارسية في "وقت سابق من عام 2014"، أي بعد صدور الطبعة الأولى الإنكليزية عام 2013.

ورد في الكتاب "تنبؤ" عبارة عن خزعبلات عن "الانهيار المقبل للممالك الخليجية"، حيث تناول المؤلف في مقدمة النسخة العربية للكتاب أنه استعجل الانتهاء من "مخطوطته"، في ظل "صدمات انخفاض النفط وأزمات الائتمان والتلاعب في الممتلكات والحملات الإرهابية والطائفية المتفشية، وهو ما دعاه إلى التنبؤ بحالة من انهيار معظم "الممالك الخليجية" في العقد القادم بحسب تعبيره.

وذكر الباحث البريطاني، الذي سبق له العيش في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً رأس الخيمة خلال بدايات "النقاشات الصريحة والمتحفظة"، أن "هذه الأنظمة أي (الخليجية) على الأقل في شكلها الحالي ستزول في السنتين إلى السنوات الخمس المقبلة.

مضى على صدور الكتاب بطبعته الأصلية، الإنكليزية، حوالي سبعة أعوام، فيما مضت سنوات عدة منذ صدوره بالفارسية والعربية، ولم يبرز مؤشر على صحة ما بلغه المؤلف في محصلته النهائية غير العلمية والمجافية للحقيقة والواقع السياسي.

فمنذ صدور الترجمة الفارسية للكتاب قبل الترجمة العربية في العام 2014 في بيروت، ما يشير إلى اهتمام شخصي للمؤلف بصدور ترجمة فارسية لكتابه أو ربما هناك دار نشر إيرانية أو جهة أخرى في طهران، وهي المدينة التي صدرت فيها النسخة الفارسية، اهتمت بتبني نفقات النشر والطباعة والترجمة والتوزيع للطبعة الفارسية أيضاً.

ثمة نقاط اختلاف واتفاق وتحفظ على مضمون (البحث)، وهي جميعها قابلة للنقاش العلمي إلى حد ما، لكن هناك موقف متحيز واضح المعالم، خصوصاً في الفصل المتعلق بـ"معاداة إيران" من قبل العالم العربي ودول الخليج العربي بوجه خاص.

لعل المغريات في عوائد الكتاب بالفارسية من حيث النشر والتوزيع في إيران ككل والأنظمة والمنظمات والأحزاب الموالية لها، حفز الكاتب على صدور الترجمة الأجنبية الأولى إلى الفارسية. فقد غيب الباحث البريطاني تطلعات تاريخية لساسة طهران في تخصيب اليورانيوم وامتلاك السلاح النووي، بينما يستمر مسلسل الترهيب والتدمير لصوت الحريات الإيراني وغيره من شعوب العالم.