يظن الرئيس التركي (أردوغان) بأن المهمة التي أوكله إياها رئيس حكومة الوفاق الليبية ستكون مهمة سهلة، أو نزهة بحرية يستعرض خلالها قواته التي مرت بمحاذاة سواحل بعض الدول التي يناصبها العداء، كـ(قبرص واليونان)، ويأمل في أن ينهي مهمته بنجاح بعد أن يستولي على أهم مقدرات ليبيا ويضع قدمه على ترابها لتحويلها إلى قاعدة له ينطلق بعدها إلى الدول المجاورة لليبيا، وينشر فيها مرتزقته والدواعش الذين جلبهم بعد أن أطلق سراحهم من السجون الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا شمال (حلب)، ويؤسس الأرضية الصلبة التي يعتمد عليها مستقبلا في غزو البلدان المجاورة لليبيا، لاسيما وأن هناك أكثر من 2500 من تنظيم الدولة الإسلامية يحملون الجنسية التونسية، وآخرون يحملون الجنسية الجزائرية.
وفي ظل تلك الحشود التي يعمل عليها (أردوغان) من مرتزقة وأسلحة وراجمات صواريخ وطائرات الدرون يصدرها إلى ليبيا، يقف العالم متفرجًا، إلا من إطلاق تنديدات خجولة ونداءات تطالب بعدم تزويد الفرقاء بالسلاح، ولم يصدر من أوروبا سوى تصريح وزير الخارجية الإيطالي السابق (فرانكو فراتيني) الذي وصف السلبية التي هي عليها الأوروبيين، حيث أشار إلى أن تركيا تستغل عدم وجود قادة حقيقيين في أوروبا حتى تواصل تدخلها في ليبيا من خلال دعم الميليشيات الموالية لحكومة فايز السراج في طرابلس، ولا أحد التفت إلى ما قاله رئيس اللجنة السياسية للمتوسط (مافريدي) الذي اقترح فرض عقوبات على تركيا بسبب خرقها حضر السلاح إلى ليبيا وتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى التدخلات التي تقوم بها في سوريا وليبيا والتي تشكل تهديدًا محدقًا بالأمن الدولي مما يستوجب تحركًا من أوروبا، وعلى الجانب العربي، وبالتحديد دول الجوار، لازالت تراهن على مبادرات ستطرحها لحل الأزمة الليبية في هذا الوقت المتأخر، مع العلم بأنها الأكثر تضررًا من هذا النزاع الذي قد تمتد شرارته لتحرق كياناتها، فالرئيس الجزائري وهو يشهد التحشيد الذي تعمل عليه تركيا، ودخولها للأراضي الليبية، يقول بأنه يدرس بالتنسيق مع تونس تقديم مبادرة تحل الأزمة، فقط هي مصر التي أعلنت أنه لا يمكن أن تحل المشكلة الليبية عسكريًا، وأنها ترفض التدخلات التركية في الشأن العربي، بل وهددت بأن (سرت والجفرة) خط أحمر.
كان من المفروض، وحسب تخطيط الغازي (أردوغان) أن تكون معركة استرداد (سرت والجفرة) قد بدأت، ولكن التحذيرات المصرية، وضرب قاعدة (الوطية) قد جعلته يتراجع عن خطته، ويدرك بأنه أمام خصم ليس من السهل ابتلاعه، لاسيما وأن البرلمان الليبي، وكذلك القبائل الليبية طلبوا من مصر العون، والدخول إلى الأراضي الليبية لحمايتهم من الغزاة، وإعادة التموضع المصري لتنظيم ليبيا سياسيًا وعسكريًا، إضافة إلى أن مصر قد حصلت على الرخصة الدستورية الملزمة لتحريك القوات بعد أن وافق البرلمان على تدخل مصر لمساندة الأشقاء في ليبيا، وللدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي الغربي ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية، ولعل (أردوغان) ينصت لصوت العقل ويسحب قواته ومرتزقته من حيث أتى بهم، وإلا سيدخل في معركة تشبه معركة (نصيبين) التي انتصر فيها المصريون على تركيا، ومُنيو بهزيمة لازالت عالقة في أذهانهم، أو كما قال عنها الفريق أحمد خالد قائد القوات البحرية المصرية (إذا فرضت علينا سنجعلها مثل صلاة العصر ليس لها سنة ولا وتر).
التعليقات