الحصول على جائزة نوبل في تخصص ما (العلوم الاقتصادية كمثال) لا يعني - بأي حال - أن الفائز بالجائزة هو أفضل العلماء المعاصرين له في تخصصه. تماماً مثلما الفائزة بجائزة ملكة جمال العالم لا يعني - بأي حال - انها أجمل امرأة في العالم.

لكن هذا لا يعني - بأي حال - أن الفائز بالجائزة لا يستحقها فالجوائز العالمية المُعْترف بها أكاديمياً لها شروطها وقواعدها ولجنة حُكّامها التي تضمن أن الفائز يستحق (حتى إن لم يكُن الأفضل بين أقرانه) الجائزة بجدارة.

الفائزان مُناصفة بجائزة نوبل في الاقتصاد لهذه السنة هما اقتصاديان لهما تاريخ طويل في العمل معاً (أحدهما كان تلميذ للآخر) في تطوير وإدخال التحسينات وإيجاد صيغ جديدة لنظرية أسواق المزادات (الحراج). مُستخدمين نظرية اللعبة (وهي من أهم النماذج الرياضية التطبيقية التي يستخدمها الاقتصاديون) لتعظيم المنافع (منفعة: المشترين والبائعين والمجتمع). وإيجاد الحلول لتفادي ما يسمى في النظرية لعنة الفوز (winner’s curse) التي قد يتعرض لها المتعاملون في المزادات بسبب عدم توفر المعلومات الكافية عن السلعة.

المزادات من أقدم الأسواق التي عرفها الإنسان فهي (على حد تعبير أحد حُكّام الجائزة) كان يمارسها البابليون والرومانيون والصينيون قبل 2500 سنة. كذلك كان يمارسها سكان (تُجّار) مكة في الجاهلية. وعندما جاء الإسلام نظمها وحرّم تلقي الركبان قبل نزولهم ببضائعهم للسوق لتفادي الغُبْن في السعر وهو ما يسمى حديثاً في النظرية لعنة الفائز.

كذلك المزادات الآن مُنتشرة في كل مكان وفي كل بلدِ في جميع أنحاء العالم (سواء الدول المتقدمة أو الدول النامية). ولا تقتصر على سلعة بعينها بل يوجد مزاد (حراج) لكل سلعة رائجة ولها شعبية في المجتمعات الإنسانية.

الأمثلة على المزادات لا حصر لها ومتنوعة. بعضها بسيط كان يمارسها الإنسان القديم قبل آلاف السنين ولا زال يُمارسها الإنسان الحديث بنفس الطريقة القديمة في ضواحي عواصم الدول المتقدمة. وبعضها مُعقّدْ وعالمي على منصّات الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر. حكومات العالم الحديثة في أنحاء العالم تشتري وتبيع في المزادات (المناقصات العامة). شركات تقديم الخدمات العملاقة كشركات الكهرباء والاتصالات والمياه والبلديات تُمارس أعمالها عن طريق المزادات. البنوك والشركات الناشئة تطرح أسهمها الأولية (IPO) في المزادات.

أول مزاد رأيته في حياتي كان مزاداً للكتب المستعملة في المدينة المنورة. كان يٌقام بعد صلاة العصر مباشرة في أول شارع العينية المؤدي من السيح إلى الحرم النبوي. كان الدّلاّل (السمسار) يفتتح المزاد صارخاً بعبارة: كم نسوم؟ فيبدأ المزايدون بالمزايدة الى أن يرسي المزاد على أحدهم (الذي يبدو أنه شريطي) يهدف للتكسب من إعادة بيع المزاد بالقطعة (الكتاب الواحد) فيبسط بها على الرصيف حيث استطعت أن أشتري - على فترات - جميع سلسلة روايات جرحي زيدان التي كانت لا تُباعُ في المكتبات.

الأسبوع المُقْبل - إن شاء الله - سنتكلم عن موضوع الجائزة لهذه السنة والفائزين بها.