تجيء القمة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكلف الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور نايف الحجرف بنقل الدعوة إلى قادة دول المجلس للمشاركة في أعمالها، والتي تقرر أن تكون يوم الثلاثاء القادم بإذن الله، تجيء في ظل متغيرات غير مسبوقة، وفي طيات جدول أعمالها الكثير من القضايا التي تكتسب أهمية خاصة، وخادم الحرمين الشريفين، وهو السياسي الحصيف، رأى بثاقب بصيرته وحنكته وحكمته، أن الظروف المحيطة بنا، وتلك التي يمر بها العالم أجمع تستدعي تجميع الطاقات وتوحيد الجهود والمواقف لكونها السبيل الوحيد التي تقف في وجه تلك التحديات، وتتصدى لما يحاك ضدها من مؤامرات تستهدف في مجملها زعزعة أمن واستقرار دول الخليج، وأن يبقى هذا المجلس متماسكًا كما كان طوال العقود الماضية مستمرًا في أداء دوره وسط كل تلك الأنواء التي حاولت تعطيل مسيرته وتفككه بواسطة عوامل دولية وإقليمية، وتجاوز كافة التحديات.

مر عام على خطاب الملك سلمان الذي افتتح به القمة السابقة، والذي حذر فيه دول الخليج من النظام الإيراني وتأمين نفسها في مواجهة هجمات الصواريخ الباليستية، وللأسف لازالت حمى السيطرة والخروقات وتصدير الثورة الإيرانية تتواصل وتتطلع إلى غزو هذه الدول فكريًا وعقائديًا، وما تمر به المنطقة من اضطرابات إقليمية ناتجة أساسًا من التهديدات الإيرانية، ولابد من طرح سبل العلاج على أرضية واسعة من النقاش من خلال رسم سياسات أمنية فعالة من أجل تمكين الذات من المواجهة والتصدي للتهديدات أيًا كان مصدرها.

فالتنسيق في الوقت الراهن، وفي الإطار الإقليمي لمنطقة الخليج يستدعي التشاور بهدف الحفاظ على هذا التكتل من ناحية، ودوام الاستقرار السياسي والاجتماعي على امتداد الوطن العربي من ناحية أخرى، ولقد رأينا فشل الكثير من التكتلات المماثلة التي وُلدت عقب تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مثل مجلس التعاون العربي الذي كان يضم (مصر والعراق والأردن واليمن) و(الاتحاد المغاربي) الذي كان يضم دول المغرب العربي، الأمر الذي يؤكد بأن دول مجلس التعاون لدول الخليج، والتي تعتمد على الصفة التشاورية ذات دعائم هيكلية تحفظ لها الخصوصية مما أكسبها تلاحمًا اجتماعيًا وسياسيًا قل نظيره بين الدول العربية الأخرى.

إن العالم من حولنا يعيش عصر التكتلات، فهناك أوروبا الموحدة التي بدأت في منتصف الخمسينات، والتجمع الآسيوي الذي كان مرتبطًا بتحالف عسكري (السيتو)، وغيره من التكتلات، ولذا كان لزامًا علينا أن نتحد ونتوحد في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية كما يدعو دائما خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده، فنحن أولى ببناء تكتل خاص بنا، لأنه يربطنا نسيج واحد من العلاقات العائلية والاجتماعية، كل العيون تتطلع إلى ما سوف يصل إليه الأشقاء في قمة (الرياض) التي دائما ما تكون الأرض الخصبة والوطن الذي تتحقق فيه آمال الخليجيين، وتصدر منه رسائل السلام.