يعتمد الطريق إلى التعافي الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، على إجراءات احتواء الفيروس، وفرص الحصول على اللقاحات وتوزيعها، والمجال المتاح للسياسات حتى تدعم النمو، فضلا عن الإجراءات التي تخفف من وطأة الآثار الاقتصادية العميقة الناجمة عن الجائحة. فالموجة الثانية من الفيروس التي بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي ألحقت الضرر بعديد من دول المنطقة، حيث فاقت معدلات الإصابة والوفيات إلى حد بعيد تلك المعدلات المسجلة في أثناء الموجة الأولى. واستأنفت معظم الدول تطبيق بعض القيود الانتقائية للمساعدة على الحد من آثارها الإنسانية والاقتصادية السلبية، بينما بدأ بعضها بالفعل حملات التطعيم.
وحول تباين فرص الحصول على اللقاحات حيث في الوقت نفسه، نجد أن أوجه التفاوت في خطط نشر اللقاحات على مستوى المنطقة بأكملها تقتضي تنفيذ سياسات فعالة لتجنب إطالة أمد الأزمة أو تحقيق تعاف غير متوازن: فدول المنطقة التي لديها أكثر شركات إنتاج اللقاحات تنوعا (في ظل اتفاقات ثنائية مع شركات صينية وروسية وغربية) تشمل دول مجلس التعاون الخليجي والدول الكبيرة التي تتمتع بالطاقة الإنتاجية (مثل مصر والمغرب وباكستان). وتتمتع الفئة الأولى بأوسع نطاق تغطية، وأقرب فرصة للبدء بعملية التطعيم، كما تتمتع بخطط أكثر تطورا لنشر اللقاحات، مستهدفة في ذلك عقد اتفاقات تشمل في بعض الحالات الحصول على جرعات تتجاوز ما يلزمها لتطعيم سكانها بالكامل.
وهناك عدد قليل من الدول الأخرى، بما في ذلك عدة دول في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، يتوقع كذلك أن تحقق نسبة تغطية كبيرة لسكانها لكنها تعتمد في ذلك على شركة أو شركتين فقط، ما قد يبطئ عملية التطعيمات.
غير أن عديدا من الدول، بما فيها الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، لا تزال معتمدة على التغطية المحدودة التي تتيحها مبادرة "كوفاكس" التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية. وتحيط بهذه الدول مخاطر كبيرة على وجه الخصوص، نظرا لمحدودية قدراتها في مجال الرعاية الصحية، وضآلة التمويل المتاح لآلية "كوفاكس"، ما قد يؤخر توافر اللقاحات على نطاق واسع حتى النصف الثاني من 2022.
وبشأن تباين مسارات التعافي، فإنه تم تعديل تقديرات النمو في 2020 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بزيادة قدرها 1.2 نقطة مئوية، ليصل الانكماش الكلي إلى 3.8 في المائة. ويرجع ذلك بقدر كبير إلى الأداء الأقوى من المتوقع في الدول المصدرة للنفط، نظرا لأن عدم ظهور الموجة الثانية من الفيروس في بعض الدول أعطى دفعة للأنشطة غير النفطية، كما جاء تأثير الموجة الأولى أقل من المتوقع. أما في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، فقد ظلت تقديرات النمو في 2020، في المتوسط، دون أي تغيير (بانكماش قدره 2.1 في المائة)، نظرا لتحييد أثر قوة النمو في بعض الدول في أوائل العام بضعف النشاط الاقتصادي في الربع الرابع من العام نتيجة ظهور الموجة الثانية، بينما تعرضت دول أخرى لآثار أسوأ من المتوقع من جراء الصدمات على مدار العام.
وسيكون لفرص الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كوفيد - 19 دور بالغ الأهمية في التعافي خلال الفترة المقبلة. فبالنسبة لـ2021، لم يطرأ تغيير يذكر على توقعاتنا مقارنة بتوقعات تشرين الأول (أكتوبر)، وإن كانت تعكس فروقا كبيرة بين الدول: فقد جاءت التنبؤات أكثر إيجابية أو لم يطرأ عليها تغيير يذكر بالنسبة للدول التي لديها مجموعة متنوعة من الشركات المنتجة للقاحات وتلك التي تتمتع بالطاقة الإنتاجية، بينما تبدو الآفاق الاقتصادية أضعف بالنسبة للدول الأقل حظا في الحصول على اللقاحات والدول الأشد تضررا بالموجة الثانية.
إضافة إلى ذلك، ففي الدول التي قدمت دعما أكبر من خلال سياسة المالية العامة والسياسة النقدية لمواجهة جائحة كوفيد - 19، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد تعافيا أقوى، يسانده في ذلك مستوى الهبوط الاقتصادي الأقل عمقا في 2020 على وجه التحديد. بينما يتوقع لدول القوقاز وآسيا الوسطى كمجموعة، العودة في 2021 إلى مستويات إجمالي الناتج المحلي المسجلة في 2019، بفضل قوة استجابتها لجائحة كوفيد - 19، والدول المتأثرة بشدة من الموجة الثانية ستتأخر عن اللحاق بالركب، ولن تستعيد مستويات إجمالي الناتج المحلي لما قبل الجائحة إلا في 2022.
ومع ذلك، من المتوقع أن يتأخر التعافي في الأسواق الصاعدة بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عن الدول النظيرة في المناطق الأخرى، حيث لن تتمكن معظم الدول من استعادة مستويات إجمالي الناتج المحلي المسجلة في 2019 حتى 2022. وستتضرر، على وجه الخصوص، الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، حيث يتوقع أن تنخفض مستويات إجمالي الناتج المحلي في 2021 بنسبة قدرها 6 في المائة مقارنة بمستويات 2019... يتبع.