ارتباط شرطي بين الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية في العراق وأفغانستان وبين التصريحات الأميركية المتهافتة على عقد اتفاق إيراني أميركي.
الكل يعلم أن الجيش الأميركي لم يكن على اتفاق مع الخارجية الأميركية إبان الحقبة «الأوبامية» فقد كان لا يرى في سياسة الانكفاء التي تبناها الرئيس باراك أوباما مصلحة أميركية، وتشكل خطراً على سلامة القوات الأميركية في المنطقة، كما اختلف معه كثيراً بسبب تردده بين وعوده الانتخابية بسحب القوات الأميركية من مناطق النزاع - مخالفاً بوش الابن في تلك السياسة - وبين الحاجة الواقعية لبقاء تلك القوات من أجل الإبقاء على مناطق النفوذ الأميركية وعدم جاهزية القوات المحلية لمواجهة الميليشيات الإرهابية كما كان الحال في أفغانستان، لكن الجيش كأي مؤسسة أميركية فيدرالية مجبرة على الانصياع لأوامر الإدارة في البيت الأبيض في كل الأحوال، فلا ازدواجية في القرار السيادي.
الجيش وهو خارج الأراضي الأميركية وقريب من مناطق نفوذها ومناطق الصراع، يلامس أرض الواقع ويعرف المنطقة نتيجة معايشة، ويرصد المتغيرات التي تحدث في حينها رصداً بالعين المجردة، ويعتمد على رؤيته الميدانية في تحديد مكامن الخطر على ما تقتضيه المصالح الأميركية وسلامة قواته وما تقتضيه الأهداف التي وُجد من أجلها، في حين أن الخارجية الأميركية في الحقبة اليسارية الأميركية تحديداً اعتمدت كثيراً على تقارير (بيضاء) ساذجة مع الأسف أتت من الدفاتر والأوراق والدراسات البحثية عن بُعد، تسيّس وتحوّر - وفقاً للافتراضات - الاستنتاجات الدفترية، وكلنا نعلم أن حسبة البيدر غير حسبة الدفتر!
فحين «تفترض» الخارجية الأميركية أن نظاماً كالنظام الإيراني يمكن احتواؤه من خلال تشجيعه على النجاح ومنحه بعض المكاسب كتخفيف العقوبات، فإن ذلك من شأنه أن يخفف من حدة تمويل «الحرس الثوري» الإيراني للإرهاب ومن دعمه للميليشيات المسلحة بالصواريخ الباليستية، يرى الجيش الأميركي وعلى رأسه قيادة المنطقة الوسطى (سينتكوم) الموجودة في المنطقة أن ذلك غير ممكن، فهو من يسمع دوي الصواريخ الباليستية ويعرف قيادات «الحشد الشعبي» وقيادات «أنصار الله» وقيادات «حزب الله» وتصل لقواعده في العراق شظايا التفجيرات، تماماً كما يعرف النشاط التركي والروسي في سوريا وليبيا وتقاطعه مع المصالح الإيرانية، يعرف أن النظام الإيراني لم ولن يتغير، لذلك حذر قائد القيادة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي (سنتكوم) الجنرال كينث ماكنزي قائلاً: «إن إيران والتنظيمات الإرهابية لا تزالان الخطر الأساسي في المنطقة»، وأكد أن الوجود العسكري لقواته في المنطقة يركز على 3 أولويات: «مواجهة الإرهاب المتمثل بالتنظيمات الإرهابية كـ(القاعدة) و(داعش)، ومواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، والتصدي لمحاولات روسيا والصين من التمدد في تلك المنطقة الاستراتيجية».
إذ يعرف ماكنزي جيداً أن النمرين الروسي والصيني ينتظران بفارغ الصبر الانكفاء الأميركي ليسارعا في احتلال أي مساحة من تلك المناطق النفوذية، في حين يرى اليسار الحالم في الخارجية الأميركية أن تلك الانسحابات ستخلق للولايات المتحدة أصدقاء ودودين من الشعوب سيتحالفون تحالف الأصدقاء من أجل مصالحهم المشتركة مع الولايات المتحدة!
إنما ماكنزي يقول إن «هذا النهج - أي الانسحاب - هو أكبر مصدر لانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن روسيا والصين تسعيان لتوسيع نفوذهما بالمنطقة على حساب النفوذ الأميركي.
ثم أشار ماكنزي العارف بالمنطقة إلى نقطة مهمة سمّاها «الخطر الآن»، فقال إن سلوك إيران الإرهابي هو الذي يشكل «الخطر الآن».
وهذا ما لم تدركه إدارة أوباما وما لا تدركه إدارة بايدن كذلك، بأن «الخطر الآن» والمتمثل في الصواريخ الإيرانية ودعمها للميليشيات أهم ألف مرة وأكثر إلحاحاً للمعالجة من «الخطر المحتمل» من النووي الإيراني.
وأن الخطر الآن على المصالح الأميركية من الانسحاب الأميركي من أفغانستان ومن العراق أكبر ألف مرة من الخطر المحتمل من النووي الإيراني، وأن ما تقوم به إيران الآن أنها تجني المكاسب على الأرض وتشاركها مع التحالف الروسي الإيراني أو الصيني الإيراني، فما بالك حين تخلي المنطقة لهذا «الثلاثي»؟!!
سبق لماكنزي أن صرح في يوليو (تموز) من العام الماضي، في مؤتمر صحافي عقدته الخارجية، بأن «إيران لا تزال تسعى للسيطرة على المنطقة، وإخراج الولايات المتحدة منها، وأعتقد أنهم ما زالوا عازمين على متابعة ذلك، لكنهم يحسبون كيف يمكنهم تحقيق هذا الهدف، من دون عبور أي خط أحمر، وأعتقد لأول مرة أننا حددنا نوعاً ما بعض الخطوط الحمر، التي ربما لم تكن مرئية لهم من قبل».
نتمنى أن تصغي الإدارة الأميركية لمن هم أقرب لمناطق الصراع، ليس من أجل مصالحنا المشتركة فحسب، بل من أجل سلامة المصالح الأميركية.