العالم حقيرٌ للغاية. لا أجد تعبيرًا “يليق” بحقارة العالم، وخصوصًا حقارة العالم “الديموقراطيّ”. ليس لي أنْ أهرق احتقاري على الدول ذات الأنظمة الإستبداديّة، الديكتاتوريّة، التوتاليتاريّة، العنصريّة، الظلاميّة، وسواها. فهي منسجمة مع ذاتها لأنّها في الأساس حقيرة. أمّا الدول التي تتباهى دساتيرها وأعرافها بأنّها تقدّس حرّيّات الشعوب وحقوقها في تقرير مصائرها، وترسل جيوشها لـ”تحرير” الأمم المغلوبة على أمرها، وتدبّج التقارير التي تفضح مَن ينتهك هذه الحقوق، فهي في أسفل سلّم الحقارة، أو في أعلى درجات هذا السلّم… حقارةً.

التحليل السياسيّ والفكريّ والثقافيّ لا يفيد. بل قد يكون من المثير للعجب أنْ يغرق المرء في مستنقع التحليلات والتصوّرات أمام هول ما يجري في فلسطين المحتلّة على يد دولة الاغتصاب “المثلى” في العالم، وعلى يد مَن يحميها، ويدافع عنها، ويحول دون إحقاق الحقّ ودون حقّ أصحابه فيه.

إنّي أحتقر العالم “الحرّ” احتقارًا ليس له مثيل، ولا وصف. لأنّه هو الذي يرتكب هذه الجريمة التي قد لا يكون لها مثيلٌ في التاريخ، قديمه والحديث.

حقارة الأنظمة العربيّة، أمرٌ مفروغٌ منه. لكنّ ما “يشفع” بهذه الأنظمة أنّها لم تدّعِ يومًا أنّها ديموقراطيّة، إنسانويّة، أو مؤمنة بالعدل والحقّ والحرّيّة. “فضيلتها” أنّها “منسجمة” مع نفسها الرخيصة. هل مَن يرتجي خيرًا أو عدلًا، أو حرّيّةً، من نظامٍ كالنظام السوريّ مثلًا؟ وإذا وسّعتُ البيكار قليلًا، أو كثيرًا، ليشمل الجمهوريّات والممالك في العالم الإسلاميّ، العربيّ، والشرق أوسطيّ، والأوسع، فماذا أستخلص؟ لا شيء سوى الحقارات والدناءات والأكاذيب والهمجيّات المبيدة للإنسان، للأفراد، وللشعوب الحرّة على السواء.

أيجب أنْ أرجو خيرًا من هذه الأنظمة التي أهرقت خيراتها وثرواتها على استعباد شعوبها، وعلى تأبيد #النظام العنصريّ في #إسرائيل؟

إنّي أبصق على هذا العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، ولا أستثني أحدًا.

هل أستثني مجلس الأمن؟ الأمم المتّحدة؟ الولايات المتّحدة؟ الاتّحاد الروسيّ؟ الاتّحاد الأوروبيّ؟ الجامعة العربيّة؟ دول الخليج العربيّ،؟ جامعة الدول الإسلاميّة؟ دول الصمود والتصدّي؟ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة…؟

أعطوني استثناءً واحدًا. واحدًا لا غير. لكي أستثني.

أتطلّع إلى فلسطين فلا أجد فلسطين. بل القبر.

أتطلّع إلى العدالة، إلى الحرّيّة، إلى الحقّ، فلا أجد سوى الأغنيات والقصائد، وأجد الشعراء والفنّانين والشهداء والمقهورين، وأجد شروش الزيتون المستأصلة، والبيوت الممعوسة، والأطفال الذين تهرسهم دبّابات الصلف الصهيونيّ. وأجد أيضًا وأيضًا الأمّهات، والحالمين بالحرّيّة.

إنّي أحتقر العالم. ولا يعنيني أن أدبّج مقالات الاستنكار والتنديد، ولا أنْ أستفيض في المراهنات التحليليّة التي “تستبصر” ما يُخطَّط للجغرافيا السياسيّة في المنطقة العربيّة، وخصوصًا في هذا الشرق الأدنى، حيث فلسطين ولبنان وضواحيهما في بغداد ودمشق.

أكتب هذا المقال لأعبّر عن احتقاري للعالم، وخصوصًا لـ”العالم الحرّ”.

في الأساس الأساس، من الطبيعيّ أن أكون أحتقر الديكتاتوريّات والعنصريّات والتوتاليتاريّات والظلاميّات على أنواعها وأشكالها. لكنّي أخصّص هذا المقال للتعبير عن أحتقاري لـ”العالم الحرّ”.

إنّي – فقط – أحتقر هذا العالم.