أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في العلاقات بين الناس وآفاقا اقتصادية واجتماعية جديدة لجميع الناس دون تمييز، ولم يكن في حسابه أحد أنها ستغير علاقتنا الاجتماعية، وستؤثر في الاقتصاد، وتشكل مجتمعاتنا وأن تصبح جزءا من أعمال الحكومة الإلكترونية. كيف لا نتوقع ذلك وعدد الهواتف الذكية يتزايد كل يوم ليقدر بنحو 6.4 مليار جهاز، أي ما يعادل نحو 80 في المائة من سكان الكرة الأرضية، ويقدر عدد مستخدمي وسائل التواصل بنحو 4.5 مليار منهم 2.9 مليار من نصيب فيسبوك وحده، وملياران من نصيب واتساب، ونصف مليار مستخدم لسناب شات. وكما هو معروف فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي التطبيقات أو المواقع الإلكترونية التي تستخدم للتواصل بين الناس من خلال الحاسب الآلي أو الهواتف الذكية عبر الإنترنت وتشمل فيسبوك، وتويتر، ولينكد إن، وانستجرام، وقورا، وسناب شات وغيرها.
وتتنوع رغبات الناس وأذواقهم، فمنهم من اختار خوض غمار التواصل الاجتماعي ومواكبة العصر، ومنهم من اختار حياة هادئة بعيدا الانشغال وهدر الوقت في متابعة سيل الرسائل الذي لا ينقطع! أما من اختاروا الدخول في هذا الميدان فينقسمون إلى نوعين، الأول يهدف من التواصل إلى الترفيه والاطلاع على الجديد من الأخبار والتواصل مع الناس والتعبير عن بعض الآراء والمشاعر، في حين نجح قليل من الناس في استثمار وسائل التواصل للثراء والكسب، فقد استطاعت فئة قليلة من تحقيق ثراء فاحش من خلال الإعلانات التجارية للمطاعم والمحال التجارية والمنتجات على اختلاف أنواعها، وخاصة تلك المتعلقة باحتياجات وتجميل النساء.
ولا شك أن وسائل التواصل أحدثت تأثيرات اقتصادية إيجابية وسلبية في الفرد والمؤسسات والاقتصاد، بل والمجتمع بكامله. فبالنسبة للفرد جعلت الحياة أرحب وأسهل من خلال التواصل مع الآخرين والتعبير عن الرأي، علاوة على زيادة الإنتاجية وتوسيع إمكانية ممارسة الأعمال والتجارة والبيع والشراء بسهولة كبيرة إلى جانب الإعلان بمقابل. ولكن هذه الإيجابيات لا تخلو من السلبيات مثل هدر الوقت أو الدخول في علاقات غير شرعية أو التنمر وانتهاك خصوصية الآخرين.
أما بالنسبة لمجال الأعمال، فعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة، فقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ظهور مهن جديدة مرتبطة بها، وتمكنت كثير من المؤسسات التجارية والتعليمية من ترشيد الإنفاق ورفع جودة الخدمات المقدمة من خلال التواصل مع المستفيدين والعملاء بسرعة وسهولة دون تكاليف تذكر، ومن ثم تحقيق إيرادات أكثر نتيجة تحفيز الطلب وإنشاء عروض جذابة. إضافة إلى ذلك، أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي تأثير عميق في التوظيف باستخدام الشبكات الاجتماعية المهنية مثل LinkedIn، فكثير من مديري التوظيف يتخذون قرارات التوظيف بناء على المعلومات الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونسبة كبيرة من أصحاب الأعمال يستخدمون هذه المواقع للبحث عن المرشحين للوظائف. كما أن هناك منتجات يرتبط وجودها بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الهدايا المجانية لبعض المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أنها تحصل على دعاية مجانية من خلال مستخدمي وسائل التواصل وخاصة سناب شات الذين يتباهون بزيارة بعض المطاعم والأسواق ونحوها.
من جانب آخر، فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في دعم النمو الاقتصادي في أوقات الأزمات وخاصة جائحة كورونا الحالية من خلال تسهيل الاستمرار في التواصل وإبرام العقود وكذلك ممارسة الأعمال بجميع أنواعها والتبادل التجاري بين المؤسسات داخل الدولة وخارجها.
علاوة على ذلك، فإنها لها تأثيرا كبيرا في المجتمعات، فقد أصبحت كثير من المشكلات والتحديات الاجتماعية والأخلاقية والبيئية والسياسية أكثر وضوحا للناس، ما يعجل بإيجاد حلول لها.
وأخيرا، نظرا لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي المتزايدة ودورها في حياتنا، وبما أن المعلومات – كما يقال – قوة، خاصة أن عمر المنشور على هذه الوسائل أطول من المنشورات على وسائل الإعلام التقليدية، فلا بد من تعزيز وجودها ضمن مناهج التعليم لتوضيح إيجابياتها وسلبياتها وتعظيم الاستفادة منها واستثمارها لمصلحة الإنسان بشكل صحيح، خاصة مع تعرض بعض التلاميذ للتنمر والإيذاء والابتزاز ونشر الشائعات من خلال هذه الوسائل. ومن المناسب أيضا أن تقوم وزارة الموارد البشرية بتنظيم دورات للمتعطلين عن العمل لحثهم على الاستفادة من هذه الوسائل في التوظيف أو إطلاق مشاريع صغيرة من خلالها بما يواكب التطورات التقنية المستقبلية.