ارتفعت أسعار شحنات الخام الفعلية / المادية Physical منذ بداية هذا العام، ما يشير إلى مرونة الطلب العالمي على النفط حتى في مواجهة تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا نتيجة موجة المتحور أوميكرون. في الأسابيع الأخيرة، شهدت أنواع النفط الخام المتداولة في الولايات المتحدة، إفريقيا، بحر الشمال، الشرق الأوسط وروسيا زيادة كبيرة في أسعارها، ما يشير إلى تشدد أسواق النفط الفعلية في جميع أنحاء العالم. وانعكس هذا التشدد على أسواق العقود الآجلة للنفط، حيث زادت حالة التراجع backwardation -وهي حالة السوق التي تشير إلى نقص المعروض- لخام برنت وغرب تكساس الوسيط القياسيين. أدى نقص المعروض الفعلي إلى مزيد من المكاسب في أسواق العقود الآجلة، حيث سجلت أسعار خام برنت أعلى مستوى جديد لها في سبعة أعوام عند أكثر من 87.80 دولار للبرميل في منتصف تداولات الأسبوع الماضي -وهو أعلى سعر لخام برنت منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2014.
جزء من ارتفاع الأسعار في الأيام الأخيرة كان نتيجة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط والمواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا. حيث تلقت أسعار الخام الدعم وسط مخاوف من تعطل محتمل للإمدادات، بعد هجوم نفذته ميليشيات الحوثي على منشآت نفطية في الإمارات، ما أدى إلى زيادة التوترات في المنطقة. لكن الدافع الرئيس الآخر كان قلة العرض في السوق، مع ارتفاع أسعار شحنات الخام الفعلية، توقفات الإنتاج في الدول المنتجة الرئيسة، ومرونة الطلب في مواجهة موجة أوميكرون. يبدو أن التجار ومصافي التكرير يعتقدون أن التهديد المخيف على الطلب من المتحور الجديد كان مبالغا فيه، وعادوا الآن إلى السوق لشراء النفط الخام أكثر بكثير مما فعلوا في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) وأوائل كانون الأول (ديسمبر)، عندما كان تأثير المتحور أوميكرون لا يزال قويا وينبئ بتهديد كبير يلوح في الأفق.
منذ بداية العام، ارتفعت أسعار شحنات النفط الخام التي ستنتهي في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر في أكبر منطقة مستوردة في العالم، آسيا، بقوة، حيث عادت المصافي إلى العمل بكامل طاقتها بعد بعض التردد في نهاية عام 2021، وسط تأثيرات غير معروفة للمتحور أوميكرون على الطلب. بالفعل كان استهلاك النفط مرنا، ودحض المخاوف من حدوث انخفاض جديد، وصمد أقوى مما توقعه عديد من المحللين والمتنبئين، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية. في هذا الجانب، قال المدير التنفيذي للوكالة إن الطلب العالمي على النفط أثبت أنه أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات انتشار متحور أوميكرون مما توقعته الوكالة سابقا. وأضاف المدير التنفيذي "ديناميكيات الطلب أقوى مما كان يعتقده كثير من مراقبي السوق، ويرجع ذلك أساسا إلى توقعات أوميكرون الأكثر اعتدالا". نتيجة لهذا الطلب المرن، تقبل المصافي على شراء النفط الخام بقوة، ما رفع أسعار شحنات الخام الفعلية في جميع أنحاء العالم.
هذه بالفعل معدلات أسعار عالية، من الواضح أن هناك تشددا في أسواق النفط الفعلية. ما دفع علاوة خام بحر الشمال فورتيز Forties وإيكوفيسك Ekofisk إلى أعلى مستوياتها منذ عامين. كما قفزت أسعار خامات غرب إفريقيا وسط انخفاض المعروض الليبي في الأسابيع الأخيرة. ويتم تداول خام "باكن" من نورث داكوتا أيضا عند أعلى مستوى له في ما يقرب من عامين مقارنة بالمعايير القياسية. كما زادت فروق أسعار الخامات من روسيا والشرق الأوسط إلى أعلى مستوياتها في عدة أشهر. حيث إن المشترين يقتنصون جميع النفوط بغض النظر عن أنواعها. إن تخطي أسواق الخام الفعلية العقود الآجلة أو المستقبلية يعني ضمنا تشديدا حقيقيا وسريعا.
إن التطورات الإيجابية كانت موضع تركيز المشترين وهناك اعتقاد حقيقي أن الطلب الفعلي سيستمر في تجاوز العرض وفي المقابل ستشجع هذه الحالة الصعودية المستثمرين على الإقبال على الشراء. ويقول التجار والمحللون: إن تشدد الأسواق الفعلية يشير إلى أن أسواق العقود الآجلة لديها مجال أكبر للارتفاع. في هذا الجانب، قال رئيس إستراتيجية السلع في "ساكسو بنك"، "لا تزال الفروق الفورية في خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت مرتفعة عند 63 و74 سنتا للبرميل، ما يشير إلى زيادة تشدد السوق". وأضاف: "المضاربون، متأخرون قليلا عن الارتفاع الأخير، فقط أخيرا عززوا رهانات النفط الصعودية في رهانات خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت إلى أعلى مستوياتها في 14 شهرا"، مشيرا إلى أن صافي عمليات الشراء المشتركة -الفرق بين الرهانات الصاعدة والهابطة- في خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط قفزت أخيرا بأكبر قدر منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 لتصل إلى 538 ألف عقد أو 538 مليون برميل. وقال إن هذا لا يزال أقل بكثير من أحدث ذروة عند 737 ألف عقد في حزيران (يونيو) الماضي.
مع ارتفاع كل من الأسواق الفعلية والمستقبلية، وزيادة العلاوة الجيوسياسية، يطرح مراقبو السوق مرة أخرى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا الارتفاع؟ وفقا لفيتول، إن ارتفاع أسعار النفط أخيرا إلى أعلى مستوى لها في سبعة أعوام لها ما يبررها ويجب أن ترتفع إلى أعلى من ذلك. من جانبه، قال رئيس السلع العالمية في بنك أوف أمريكا، إن الأسعار ثلاثية الأرقام "قيد الإعداد" للربع الثاني. وأضاف، إن الطلب يتعافى بشكل ملموس، بينما سيبدأ العرض من "أوبك +" في الاستقرار خلال الشهرين المقبلين، مشيرا إلى أن الإمدادات الروسية ستستقر وستكون المملكة والإمارات فقط هما القادران على إنتاج كميات إضافية من النفط لضخها إلى السوق.
بالطبع، لم تختف تماما المخاطر الهبوطية لأسعار النفط. حيث إن أكبر رياح غير معروفة وأكبر رياح معاكسة محتملة للطلب العالمي على المدى القريب هي الصين، وما إذا كانت ستستمر في تطبيق سياسة صفر إصابات بالجائحة. بالفعل، قد تؤدي عمليات الإغلاق الكبيرة في أكبر مستورد للنفط في العالم إلى تقليل الاستهلاك وربما من واردات النفط الصينية. ويقول المحللون إن الصيانة الموسمية للمصافي في الربيع قد تبطئ أيضا سوق النفط الفعلية. ومع ذلك، قد لا يكون ارتفاع أسعار النفط قد انتهى بعد، خاصة إذا استمر الطلب في عكس تأثير متحور أوميكرون المعتدل.