يوم الجمعة الماضي، سجلت أسعار النفط ارتفاعا للأسبوع الثاني على التوالي، مع تداول خام برنت فوق 112 دولارا للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط قرب 110 دولارات للبرميل. حيث أدت المحاولات المتكررة من قبل الاتحاد الأوروبي بحظر جميع واردات النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية بحلول نهاية العام، إلى التغلب على مخاوف السوق بشأن تباطؤ الطلب الصيني على النفط وسط أقسى قيود على فيروس كورونا منذ بداية موجة الوباء. كما أن تجدد الجهود من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي لتمرير مشروع قانون نوبك، قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الإمدادات.
في غضون ذلك، إنتاج النفط الروسي آخذ في الانخفاض. في آذار (مارس)، تراجع بنحو نصف مليون برميل يوميا، وبحلول نهاية نيسان (أبريل) وصل إلى مليون برميل يوميا، وفقا للرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم، وقد يرتفع هذا إلى مليوني برميل في اليوم بحلول نهاية هذا الشهر.
مع استهداف الاتحاد الأوروبي روسيا بحزمة من العقوبات، تم حتى الآن استبعاد النفط كهدف مباشر، لكن العقوبات المالية والبحرية أثرت في الصناعة. الآن يقترح الاتحاد الأوروبي حظرا نفطيا كاملا، باستثناء بعض الدول الأعضاء التي تجد صعوبة في الامتثال لقرار الحظر، مثل هنجاريا وسلوفاكيا، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي. وهذا يعني خسارة مزيد من الإنتاج إذا تم تبني الاقتراح في وقت فيه أسواق النفط العالمية متشددة بالفعل.
في هذا الجانب، قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك، الشهر الماضي، مخاطبا الاتحاد الأوروبي، "قد نرى خسارة أكثر من سبعة ملايين برميل يوميا من صادرات النفط والسوائل الأخرى الروسية، نتيجة العقوبات الحالية والمستقبلية أو الإجراءات الطوعية الأخرى، وسيكون من شبه المستحيل استبدال كل هذه الكميات". لكن لا يبدو أن هذا التحذير قد ترك أي انطباع دائم لدى صناع القرار في بروكسل الذين يتحركون بكامل قوتهم لحظر النفط الروسي. في غضون ذلك، سيكافح الموردون البدلاء لملء الفراغ الذي يتركه النفط الروسي.
أفادت "رويترز"، الشهر الماضي، نقلا عن وثيقة من وزارة الاقتصاد الروسية، بأن روسيا تتوقع أن تفقد نحو 17 في المائة من إنتاجها النفطي قبل بداية الأزمة هذا العام. وأشار التقرير إلى أن هذا سيكون أكبر انخفاض في الإنتاج منذ التسعينيات - في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي. سيكون هذا قريبا من مليوني برميل يوميا - وهو رقم مشابه لتوقعات الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم، وأيضا قريب لتوقعات Rystad Energy حول تراجع إنتاج النفط الروسي بين عامي 2021 و2030. إذا كانت هذه التوقعات صحيحة، فإن تداعيات الحظر النفطي الذي سيفرضه الاتحاد الأوروبي ستكون محدودة، وستتم ببساطة إعادة توجيه معظم الإنتاج الروسي، كما هو الآن بالفعل. ومع ذلك، إذا انخفض الإنتاج أكثر، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
في غضون ذلك، تنتج "أوبك +" أقل من الحصة المقررة، لأسباب مختلفة، أهمها نقص الاستثمار والمشكلات الجيوسياسية في بعض دول المجموعة. في حين يتعرض منتجو النفط الأمريكيون لانتقادات من المشرعين بسبب مزاعم عن استفادتهم من ارتفاع أسعار النفط، ويعانون نقصا في المواد والمعدات والقوى العاملة.
يوم الخميس الماضي أنهت "أوبك +" أحد أقصر اجتماعاتها دون تغيير في خطتها الإنتاجية حيث قررت المجموعة زيادة إنتاج النفط الخام في حزيران (يونيو) بمقدار 432 ألف برميل يوميا، في خطوة توقعتها أسواق النفط على نطاق واسع. في الوقت الذي تتمسك "أوبك +" بسياستها الخاصة بالزيادات الشهرية المتفق عليها، لا ينتج عديد من أعضائها حصصهم المقررة، ويقدر أن إنتاج المجموعة الإجمالي يقل بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم عن حصتها. وفقا لقرار الأسبوع الماضي وجدول الإنتاج الذي قدمته "أوبك"، ستحصل "أوبك +" على حصة قدرها 42.558 مليون برميل يوميا لشهر حزيران (يونيو). وستكون حصة كل من السعودية وروسيا، 10.663 مليون برميل يوميا.
في حين سيرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بمقدار 800 ألف برميل في اليوم فقط هذا العام، وفقا لآخر تقرير عن توقعات الطاقة قصيرة الأجل، الصادر عن إدارة معلومات الطاقة. هذه ليست أخبارا جيدة لشركاء أمريكا الأوروبيين. كما أنها ليست أخبارا جيدة للأمريكيين أيضا، لأنها تعني أن الأسعار ستظل مرتفعة على الأرجح.
باستثناء "أوبك" والولايات المتحدة، هناك عدد قليل من المنتجين الكبار قادرون على توفير نفط إضافي إلى أوروبا، ذلك إن وجد. تحاول البرازيل زيادة إنتاجها النفطي، لكن إجمالي إنتاجها يبلغ نحو ثلاثة ملايين برميل في اليوم، وهو ما كان الاتحاد الأوروبي يستورده من روسيا قبل بدء الأزمة الأوكرانية. وهذا يترك منتجي آسيا الوسطى، الذين هم أطراف في اتفاقية "أوبك +"، وضمن نطاق النفوذ الروسي أيضا.
ما يعنيه كل هذا هو أنه مع توقع خسارة مليوني برميل يوميا من الإنتاج الروسي، فإن كثيرا من دول العالم سيعاني ارتفاع أسعار النفط لفترة طويلة، ما يعني أيضا ارتفاعا كبيرا في أسعار السلع والخدمات الأخرى. المستفيدان هما الصين والهند اللتان تشتريان الخام الروسي بسعر مخفض، لا يوجد سبب منطقي لتوقفهما عن ذلك، رغم التهديدات. لكن إنتاج روسيا النفطي قد ينخفض بأكثر من مليوني برميل يوميا.
في هذا الجانب، قال كبير المحللين في Rystad Energy، "كان اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية علاقة مدروسة وطويلة الأمد وذات منفعة متبادلة. في هذه المرحلة المبكرة من العقوبات والحظر، ستستفيد روسيا لأن الأسعار المرتفعة تعني أن الإيرادات أعلى بكثير مما كانت عليه في الأعوام الأخيرة". وأضاف المحلل أن "تحويل الصادرات إلى آسيا سيستغرق وقتا واستثمارات ضخمة في البنية التحتية لذلك سنشهد على المدى المتوسط انخفاضا حادا في إنتاج روسيا وعائداتها".
مع عدم قدرة معظم المنتجين على زيادة الإنتاج بسرعة، إذا حدث هذا السيناريو، فقد تبقى أسعار النفط مرتفعة لفترة طويلة مع وجود قليل من الضغوط الهبوطية على الأسعار، بما في ذلك السيارات الكهربائية. حيث إن السيارات الكهربائية على وشك أن تعاني نقصا في البطاريات وأسعارا أعلى. حقا هناك بعض التطورات المثيرة للاهتمام مقبلة.