لم ترتهن المملكة يومًا لعلاقة أحادية مع دولة واحدة، بل ولا مع دول محدودة العدد، بل ظلت أبوابها مفتوحة لكل دولة تسعى إلى التعاون مع المملكة، وترغب في إقامة علاقات استراتيجية معها، وهكذا هي سياسة المملكة، الانفتاح على الجميع، وبناء أوسع العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع الجميع، انسجاماً مع توجهها الأخوي القائم على المصالح المشتركة، والسعي نحو استفادة كل طرف من الطرف الآخر.

صحيح أن للمملكة علاقات تتفاوت بين دولة وأخرى بحسب التطابق في السياسات، والتعامل مع الدول الأخرى وفقاً للاحتياجات، ولكنها أبداً لا تتجاهل أي دولة، ولا تنأى بنفسها عن أي ممن يرغب أن يتعاون معها، فالعلاقات الدولية في نظر المملكة يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، والتعامل مع الفرص الاستثمارية والاقتصادية والتجارية وفقاً لما يضيف المزيد من المصالح للجانبين، ويكرس الرخاء والعيش الكريم، دون تدخل أو إضرار بمصالح أي طرف.

وعلى هذا الأساس، فالعلاقات السعودية الروسية - على سبيل المثال - علاقات تاريخية ولها خصوصيتها، حيث تمتد إلى أكثر من 95 عاماً، وقد شهدت مؤخراً تطوراً نوعياً، وتنامت الثقة وتصاعدت وتيرة الزيارات الرسمية المتبادلة للمسؤولين في البلدين؛ فقد زارها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لأول مرة عام 2015م، ثم خلال الفترة من 2015م إلى 2018م قام سموه بزيارات متعددة إلى روسيا قابل خلالها الرئيس الروسي بوتين وعدداً كبيراً من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال الروس.

وضمن حرص خادم الحرمين الشريفين وولي العهد على التواصل المباشر بين مسؤولي البلدين في مختلف القطاعات، فقد توجت هذه الجهود بالزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارته لروسيا في عام 2017م، وهي أول زيارة لملك سعودي لروسيا، ومن الطبيعي أن تشهد احتفاءً مميزاً من الرئيس الروسي بوتين، وأن يتم خلالها توقيع البلدين حزمة من الاتفاقيات، ومذكرات التفاهم، وقد وفرت هذه الاتفاقيات إطاراً قانونياً واضحاً لتعاون البلدين، كما وسعت مجالات التعاون لتشمل مختلف القطاعات والمجالات.

ومع هذا الاهتمام بتوسيع وتنويع طبيعة العلاقات السعودية - الروسية، قام الرئيس بوتين في عام 2019م بزيارة للمملكة، على رأس وفد كبير ضم مسؤولين ورجال أعمال، وتوجت الزيارة بالتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وهناك تبادل مستمر للزيارات والاتصالات على مستوى الوزراء، وكبار المسؤولين، كان آخرها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للمملكة، حيث التقى بوزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان، كما شارك في اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

نخلص من هذا إلى أن المملكة مثلما أن لها علاقات مميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلها علاقات مميزة أيضاً مع روسيا، ومثلها مع الصين، ومع عدد من الدول الأوروبية والآسيوية وحتى الإفريقية، فضلا عن علاقاتها المميزة مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية، ما جعل المملكة مرجعية لكل المواقف التي تستدعي الاستعانة بالحكمة والرأي الرشيد لتفكيك كل الأزمات، وتبريد كل المواقف، فرأيها محترم، ووجهة نظرها مقبولة، والحل لكثير من المشكلات يكون مصدره في العادة من الرياض.

وحين نتحدث عن العلاقات بين المملكة وروسيا من خلال التفاهم السعودي - الروسي وتحديداً في استقرار أسعار النفط في العالم، فعلينا عدم إغفال ما بذلته المملكة من جهد كبير للتوصل إلى اتفاق (أوبك +) التاريخي من أجل دعم استقرار أسواق البترول، فهذا الاتفاق يتبنى أسلوب إعادة الإنتاج بشكل يتماشى مع تعافي الطلب العالمي على البترول، وبما يخدم المنتجين والمستهلكين، وهو عمل كبير ما كان له أن يتحقق لولا المفاهمات السعودية - الروسية، وما تلاها من قيام أوبك بقيادة المملكة من جانب وروسيا من جانب آخر في إعادة حلف (أوبك +) وبشروط محددة انعكست إيجاباً على أسعار الطاقة العالمية، وعززت وتيرة الاتصالات الثنائية بين الرياض وموسكو على مستوى القيادة في البلدين.