تعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية، حيث ابتدأت العلاقات في نوفمبر 1985، حيث انعقد أول اجتماع رسمي بين الصين والسعودية، ولكن اعتبر عام 1988 بداية الانطلاق الفعلي للتعاون التجاري، وفي عام 1990 تم تفعيل العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين والسعودية.

شكلت زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الصين في 2017 نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين باعتبارها أول زيارة رسمية لمسؤول سعودي إلى بكين، وجاءت عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في 2016، وعلى هامش زيارة الملك سلمان لبكين؛ وقّع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار.

قفز التبادل التجاري بين السعودية والصين من 3 مليارات دولار في عام 2000، إلى 67 مليار دولار في 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرة خلال عقدين، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية تليها الولايات المتحدة، بينما تمثل السعودية أكبر شريك للصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا، وقد تمكنت السعودية خلال هذه السنوات القليلة من أن تصبح المصدّر الأول للنفط إلى الصين، متفوقة على روسيا، الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين.

فقد صدّرت السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يوميا في نوفمبر 2021، متراجعة عن معدل 2.06 مليون برميل يوميا في نوفمبر 2020، ومع ذلك حافظت على تقدمها على روسيا التي بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يوميا بشكل مستقر، وهذه الكميات المهمة من الصادرات النفطية السعودية للصين، جعلت الميزان التجاري لصالح الرياض بـ11 مليار دولار، حيث صدرت للصين 39 مليار دولار، واستوردت منها 28 مليار دولار في 2020، بحسب بيانات موقع ITC Trade.

حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين أكبر بكثير من نظيره مع الولايات المتحدة، التي تعد أيضاً شريكا استراتيجيا للسعودية، إذ بلغ 37 مليار دولار، منها 24 مليار دولار صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة مقابل واردات بقيمة 13 مليار دولار، في 2018، بحسب المصدر السابق ذكره.

هذه الأرقام تعكس كيف تمكنت الصين من تعزيز علاقاتها مع السعودية خلال الثلاثين عاما الأخيرة، والتي تتوسع وتتعزز بشكل ديناميكي، ويعزز ذلك الاتفاق على بناء مركز بتروكيميائيات ضخم في مقاطعة شاندونغ بشرق الصين، حيث تتركز 26 ٪ من طاقة تكرير النفط في الصين، علما بأن مقاطعة شاندونغ، ثالث مقاطعة في الصين من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهذا هو المكان الذي يذهب إليه كل النفط الذي توفره أرامكو السعودية للصين، وهناك نمو في الطلب الصيني على النفط، تماشيا مع تراجع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حيث وصف كثيرون هذا التحول في تجارة الطاقة من الغرب إلى الشرق بأنه تحول في الجغرافيا السياسية للنفط.

الأسبوع المقبل سيبدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة للسعودية، ودلالات قيام الصين وعزمها دفع مستوى العلاقات مع المملكة نابعة من إحساس بكين بقدرة السعودية والثقة بها، وهذه الزيارة ذات مدلولات عميقة تجاه استراتيجية علاقة البلدين، في ظل الاضطرابات العالمية وأزمة إنتاج النفط وإشكاليات نقص الطاقة، وحتماً ستغطي الزيارة جميع الملفات المهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وستعزز التعاون الثنائي الأمني والدفاعي، وتفتح الطريق للتعاون في مجالات الفضاء والتكنولوجيا والصناعات الجديدة في الطاقة، ومن المقرر أن تشمل جولة الرئيس الصيني في زيارة الرياض وجدة ومدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر.

التوجه نحو الصين ليس مشروعاً سياسياً بحتاً؛ حيث ستظل العلاقات مع الغرب والشرق موجودة، لكن العلاقة المميزة مع الصين خاصة ستعزز نفوذ السعودية وأهميتها الاستراتيجية إقليمياً ودولياً، ومع الغرب تحديداً لما تمثله من دور محوري في التوازن العالمي، السعودية تدرك جيداً تحولات توازنات القوى العالمية، وأهمية الصين في تلك التحولات خاصة الاقتصادية منها، ولا سيما الدور الذي تلعبه بكين مع باكستان عبر محور اقتصادي عالمي، وهو المشروع الاقتصادي المسمى "الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني"، وهو ما يجعل المملكة حريصة على الاستفادة من تلك التوجهات الجديدة في الاقتصاد العالمي.