قبل جائحة «كورونا»، أجمعت عدة تقاريرعلى توقع حدوث تغيرات مهمة في مراكز القوى الاقتصادية في العالم، وترتيب الدول الخمس الأكبر، وفق تطورها للعام 2050، ورشح تقرير صدرعن شركة «pwc»، وهي مهنية متخصصة بالشؤون الاقتصادية، الصين للمرتبة الأولى بحجم اقتصادي 58.499 تريليون دولار، بدلاً من الولايات المتحدة التي تتراجع إلى المرتبة الثالثة بـ 34.102 تريليون دولار، والهند في الثانية بـ 44.128 تريليون دولار، وأندونيسيا في الرابعة بـ10.502 تريليون دولار، وبعدها البرازيل في المرتبة الخامسة بـ 7.54 تريليون دولار، ولكن بعد جائحة «كورونا» وتداعياتها، طرأت تغيرات كثيرة نتيجة الخسائرالكبيرة التي لحقت باقتصادات تلك الدول.

وفي عام 2017 كان الاقتصاد الهندي في المرتبة السادسة، بين أقوى اقتصادات العالم متجاوزاً الاقتصاد الفرنسي. وعلى رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت به جراء تداعيات «كورونا» تقدم في عام 2019 إلى المرتبة الخامسة بحجم 2.94 تريليون دولار، متجاوزاً الاقتصاد البريطاني الذي سجل 2.84 تريليون دولار.

ومع الهجوم الروسي على أوكرانيا، واتساع نطاق الحرب وتداعياتها لتشمل عقوبات متبادلة، تطال الدول المتحالفة، فإن الاقتصاد العالمي يشهد انقساماً بين تكتلين متنافسين، واحد يتمحور حول روسيا والصين، وآخر حول الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، ويعمل كل تكتل على إضعاف التكتل الآخر. وتبرز في هذا المجال تداعيات «الحصار المالي» ضد روسيا، من قبل التحالف المؤيد للعقوبات والذي يضم غالبية النظام المالي العالمي، وجميع المؤسسات المالية الرئيسية. كما تبرز قوة «السلاح الروسي» من النفط والغاز، والمواد الغذائية. بما يهدد حاجة أوروبا الاستهلاكية و«الإستراتيجية» لاقتصادها.

وعلى رغم أن الهند تعد من بين الدول الديموقراطية التي تعتمد النظام الرأسمالي في إدارة اقتصادها، فهي ثاني أكبر اقتصاد بعد الصين في تكتل «بريكس»، إلى جانب روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وقد رفضت إدانة موسكو والعقوبات على روسيا. ولكنها في الوقت ذاته ترغب في الحفاظ على علاقات ودية مع المعسكر الغربي وخصوصاً الولايات المتحدة. ولذلك تعرضت مؤخراً لانتقادات شديدة من «مجموعة الدول السبع» التي اتهمتها بعرقلة العقوبات الغربية، لجهة زيادة وارداتها بنحو 25 ضعفاً من الخدمات الروسية، وتعويض شركات الطاقة عن خسارتها للسوق الأوروبية، لا سيما أن «المجموعة» تدرس حالياً كيفية التعامل مع الدول التي تخرق العقوبات الغربية، وعلى رأسها الشركات الصينية والهندية. ومن هنا تتخوف الهند من ارتداد موقفها سلباً على تجارتها الخارجية التي تؤكد أن مصلحتها تقتضي الحفاظ على علاقاتها الممتازة مع التكتل المعارض لروسيا والداعم لأوكرانيا.

وبلغة الأرقام فإن حجم تجارة الهند مع الكتل الثلاث الرئيسية (أوروبا، بريطانيا، والولايات المتحدة)، يقدر بنحو 259 مليار دولار سنوياً، مقارنة بفقط 8.1 مليار دولار عام 2021 مع روسيا، وهو مبلغ ضئيل جداً، ولا يتجاوز1.19% من إجمالي حجم التجارة الهندية المقدر بتريليون دولار. إضافة إلى ذلك تعد الهند بين الدول المؤهلة لجذب شركات التقنية الأميركية المهاجرة من الصين، نظراً لضخامة سوقها الاستهلاكية المقدر بأكثر من 1.4 مليار نسمة، وطبقة وسطى نامية، وقوى عاملة مدربة، وهي ميزات تغري الشركات الأميركية.

ومقابل هذه المصالح الاقتصادية، هناك مصالح إستراتيجية تربط الهند مع روسيا، وتعتمد عليها بدرجة رئيسية بالتسليح، وهي تعتبر علاقاتها العسكرية مع موسكو، ركيزة أساسية، وبالتالي فإن معظم بنيتها العسكرية تشكلت من السلاح الروسي، وخصوصاً الجو ونظم الصواريخ «إس 400». وهكذا تقف الهند في اختيار قرارها الإستراتيجي لتحقيق مصالحها الاقتصادية العسكرية.