في العدد الماضي من هذه المجلة نوهت بالحضور الطاغي لوفد المملكة العربية السعودية في مفاوضات مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ، ذلك الحضور الذي تمثل في عدد من المبادرات الخضراء والمشاركة في عدد من الأنشطة وحلقات النقاش، ومن تابع مداولات المؤتمر السابق في جلاسكو العام الماضي يدرك الفرق الواضح بين الدورتين، يعزز ذلك الحضور تركيبة الوفد السعودي المكون من عدد من الوزراء يتصدرهم وينسق بينهم الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة.

أشرت أيضا في المقال السابق إلي المنصة التي شارك فيها مع منظمتين دوليتين صندوق أوبك للتنمية الدولية “أوفيد” لتوفير مواقد أو حلول وسائل الطبخ الحديثة لبعض الفئات السكانية في أفريقيا ممن لايزالون يعتمدون على وقود الحطب والجلة في تدبير معاشهم اليومي، وسعدت جدا لهذه المشاركة وتمنيت ولا زلت أن تكون هذه المشاركة بداية لعودة هذه المؤسسة اَلتَّنْمَوِيَّة التي تساهم المملكة بثلث رأسمالها إلى نشاطها السابق في مكافحة فقر الطاقة.
بعد نشر هذه المقالة علمت أن هناك منصة أخرى رعاها الأمير عبد العزيز لنفس الغرض وهو المساهمة في التصدي لفقر الطاقة عن طريق توفير حلول الوقود النظيف للطهي التي تستهلك غاز البترول السائل أو الطاقة المتجددة، وتتسم بالوفرة وَالْوُثُوقِيَّة والاستقرار كما هو شعار تلك المنصة، وصاحب ذلك حلقة نقاش شارك فيها ممثل من وزارة الطاقة السعودية ومشاركان من منظمة الطاقة للجميع التابعة للأمم المتحدة، وآخر من أو فيد. أما المستفيدون من هذه المبادرة في الوقت الحاضر فهم نيجيريا ومدغشقر. وعلي القائمة في المستقبل القريب: السنغال، والنيجر، وغانا، وفي آسيا الهند وباكستان.
إن التصدي لفقر الطاقة الذي يثقل كاهل الملايين من الفقراء في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ينبغي أن يمثل في رأيي واحداً من أهم مخرجات مؤتمر الأطراف هذا العام وما بعده. ولا يساورني أدنى شك أن هذالهدف النبيل يحتل مركز الصدارة في الأجندة الخضراء لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله-. وولي عهده القوي الأمين الأمير محمد بن سلمان. وفي وجدان الأمير عبد العزيز.
ليست هذه اللفتة من الأمير نحو ترسيخ أجندة الفقراء على مائدة المفاوضات الدولية هي الأولى فلقد سبقتها مساهمات تدل على أن حرصه علي توفير العيش الكريم لمن يعيشون في الظلام ليس جديدا أو رد فعل لمماحكة إعلامية في مناسبة عابرة وَأَنَّمَا هو نابع من إيمان عميق بشرعية هذا المطلب فقد وردني وأنا أعد هذه المقالة أن كلا من وزارة الطاقة السعودية وصندوق أوبك OFID وقعا مذكرة تفاهم في هذا الشهر لتوفير حلول الطبخ الحديثة للفقراء في آسيا وأفريقيا سيتلوها لقاءات أخرى بين الطرفين لمتابعة تنفيذ هذا الهدف.
لو تحدثت عن الموضوع كشاهد إثبات لأفضت لكنني سألخص هذا الدور النبيل لحكومة المملكة والأمير عبد العزيز بالذات ما أمكن وهو أن المملكة سبقت الأمم المتحدة والدول الغنية في طرح موضوع فقر الطاقة وضرورة البحث عن حلول له بِسَنَوَات وفيما يلي سرد تاريخي موجز لهذا الموضوع:
1- كان موضوع فقر الطاقة المتمثل بوجود ٨٠٠ مليون نسمة أو عشر سكان العالم (٢٠٢١) محرومين من الطاقة الكهربائية موضع اهتمام حكومة المملكة خاصة بعد صدوراهداف الألفية عام ٢٠٠٠التي خاطبت كل أوجه الفقر إلا فقر الطاقة.
2- استضافت المملكة قمة أوبك الثالثة في الرياض في شهر نوفمبر عام ٢٠٠٧ وصدر منها بيان ختامي أشرف على إعداده الأمير عبد العزيز وتضمن لأول مرة بندا عن هذا الموضوع يحث فيه الملوك والرؤساء صناديق التنمية ومنها أوفيد (أشير إليه بهذا الاسم في البيان) بالبحث عن الطرق الكفيلة باجتثاث فقر الطاقة، وهذا بحد ذاته شاهد على أن المملكة العربية السعودية سبقت الأمم المتحدة بأربع سنوات إذ معلوم أن بأن كي مون لم يبدأ مشروعه “الطاقة للجميع” إلا في سبتمبر ٢٠١١، وعلى القارئ أن يحكم أي من المشروعين ساهم في بلورة الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة وهو “الطاقة للجميع”
3- أخذت صناديق التنمية هذه التعليمات مأخذ الجد وبدأت بتحويل جزء من نشاطها إلى تمويل بعض المشاريع التي تكافح فقر الطاقة. وفي صندوق الأوبك “أوفيد” تم تحويل ما ورد في بيان الرياض إلى خطة عمل أخذت ثلاثة محاور:
أولا: الحملات الإعلامية وبرامج التوعية والمقابلات الإذاعية والصحفية والتلفزيونية، وتنظيم أول ندوة لهذا الغرض عقدت في ابوجا نيجيريا وحضرها عدد من المنظمات الدولية والإقليمية وشركات الطاقة.
ثانيا: عقد التحالفات مع العديد من وكالات التنمية وَالْمُنَظَّمَات المتخصصة وأهمها منظمة الطاقة المستدامة للجميع، وتكوين منصة لتوفير الطاقة Energy Access Platform“ EAP انخرط فيها عدد من الشركات ومنظمات البترول والغاز مثل مؤتمر البترول العالمي، واتحاد الغاز الدولي، وعدد من شركات الطاقة مثل توتال، شل، ارامكو لما وراء البحار، شلامبرجيه، شركة النفط النمساوية. صار لهذا التجمع مقره وأمانته العامة واختير أوفيد لمنصب الأمانة العامة والهدف هو تبادل المعلومات والتعاون في وضع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة موضع التنفيذ.
ثالثا ً- تَنْفِيذ المشاريع على الطبيعة في بعض الدول الفقيرة خاصة في أفريقيا لتوفير الطاقة الحديثة ودعم الابتكار وتحفيز الاستثمار.
لقد ساهم بيان الرياض والشكر موصول لمن أشرف على إعداده في تفعيل برامج صناديق التنمية بحيث أصبحت جسر محبة بين الدول النامية المانحة والمستفيدة
ونتيجة لهذا التحول في مصروفات القطاعين العام والخاص. قفز نصيب الطاقة في تعهدات أوفيد من ١٩٪ إلى ٣٤٪ خلال الفترة
أن ما تقوم به حكومة المملكة العربية السعودية لمكافحة فقر الطاقة الذي أصبح هاجسا يؤرق الملايين لهو أكبر دليل على التزام حكومة خادم الحرمين الشريفين بتنفيذ الأجندة الدولية التي تجسدها أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وأهمها القضاء علي الفقر بكافة أشكاله، ويحضرني في ختام هذه المقالة ما تضمنه البيان الصادر عن قمة العشرين في بالي أندونيسيا (١٥-١٦ نوفمبر) في فقرته الثانية عشرة إذ تعهد رؤساء الوفود باجتثاث فقر الطاقة وهي نفس الصياغة التي خرجت لأول مرة من قمة أوبك الثالثة في الرياض (٢٠٠٧) مما يؤكد التزام المملكة بما نادت به لأول مرة، ولنا عودة لنفس الموضوع.
حفظ الله مليكنا المفدى نصير الفقراء والمستضعفين وولي عهده القوي الأمين.